منتديات المصطبة
 بليغ حمدي الطير المسافر... 10610

لَاننآ نعشق آلتميز و آلمميزين يشرفنآ آنضمآمك معنآ في منتديات المصطبة


وتذكر آن منتديات المصطبة تريدك مختلفآ .. تفكيرآ .. وثقآفةً .. وتذوقآ .. فآلجميع هنآ مختلفون ..


نحن ( نهذب ) آلمكآن ، حتى ( نرسم ) آلزمآن !!


لكي تستطيع آن تتحفنآ [ بمشآركآتك وموآضيعك ].. سجل معنا توآجدك و كن من آلمميزين

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات المصطبة
 بليغ حمدي الطير المسافر... 10610

لَاننآ نعشق آلتميز و آلمميزين يشرفنآ آنضمآمك معنآ في منتديات المصطبة


وتذكر آن منتديات المصطبة تريدك مختلفآ .. تفكيرآ .. وثقآفةً .. وتذوقآ .. فآلجميع هنآ مختلفون ..


نحن ( نهذب ) آلمكآن ، حتى ( نرسم ) آلزمآن !!


لكي تستطيع آن تتحفنآ [ بمشآركآتك وموآضيعك ].. سجل معنا توآجدك و كن من آلمميزين
منتديات المصطبة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
عاشقة شادية
عاشقة شادية
مشرفة
مشرفة
رقم العضوية : 55
عدد الرسائل : 821
الدلو انثى الثور
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

 بليغ حمدي الطير المسافر... Empty بليغ حمدي الطير المسافر...

الأربعاء 06 أكتوبر 2010, 22:19
بليغ حمدي الطير المسافر... تقاسيم من حياة الموعود بالعذاب
هل رفض عبد الوهاب تزويجه من ابنته؟


للبحر حضور لافت، سحر خاص لا يمكن مقاومته، كعاشق يفتح ذراعيه ويدعوك بحميمية إلى الاحتماء، الارتواء، التوحد، الصمت في حضرته قانون... تنهد حمدي وهو يستنشق هواء البحر: «آه... كم مرة جرت دموعي وابتلعها بين أمواجه، كم مرة خلصتني من مجمل قيودي ومنحت أحزاني تذكرة سفر بلا عودة... لماذا لم تعد تحتويني شطآنه، لم لا تحمل همومي عني إلى حيث المجهول؟».

من بعيد جاءه صوتها هامساً:

بس... وحياة اللي فات

اللي أصبح ذكريات

عمري ما حبيت ولا تمنيت

غيرك أنت ياحبيبي

تعجب بليغ من أين جاءه صوت نجاة على شاطئ البحر وهي تشدو بأحب ألحانه الى نفسه، لم يهتم باكتشاف المصدر، فقد أخذه سحر الصوت مجدداً، أعاده إلى أزمنة أخرى كانت ولا تزال تحتفظ بإيقاعها داخله، حينما كان يستسلم وباستمتاع لحالة «الانخطاف» تلك، «الإدمان» الوحيد الذي دخله بوعي ويقين ورغبة في عدم الإقلاع عنه... ابتسم حمدي فما زالت التفاصيل حاضرة في ذاكرته كتلك التي حفرها على جذوع الشجر وضمنها ألحانه...

أنساك...

دا كلام...

أنساك... يا سلام

أهو دا اللي مش ممكن أبداً

الحب في حياة حمدي كالماء والهواء، لم يستطع العيش من دونه يوماً، حتى في السنوات التي لم تظللها قصة حب، كانت الأغنيات تعوضه معايشة الإحساس على أرض الواقع. باختصار، الحب والدفء هما قانونه الوحيد في التفاعل مع الحياة، لم يكفر به يوماً كما لم يمل في الدفاع عنه كقيمة إنسانية، يتساوى في ذلك حبه لأمه أو لوطنه أو حبيباته اللاتي لم يستطع نزع آثارهن من دفتر أيامه...

الهوى...

آه منه الهوى

سهران الهوى...

يسقينا الهنا...

ويقول بالهنا

مجدداً، داهمته الذكرى، أشعلته كصخب البحر أعادته بقوة إلى حكايات الشاطر حسن والسندريلا الجميلة وهو بالكاد لملم روحه من بين حطام السنين... لم يكن حمدي «زير نساء» على رغم تعدد علاقاته، وما تبعها من حكايات. المؤكد أنه كان يعي جيداً الفروق بين الصداقة والزمالة ولحظات التوهج المباغتة التي كانت تهاجمه بين الحين والآخر... و{بحبك» كلمة لم يستطع حمدي البوح بها آنذاك على رغم ما كان في داخله من أحاسيس ومشاعر لم يكتب لها التحرر من بين ضلوعه.

كان في الثامنة عشرة حينما خفق قلبه أول مرة. إنها ماريا جارته اليونانية حبه الأول الذي «تجمّد» قبل أن يكتمل مداره، توقف عند «طقوس الإشارات» فلم تحدث «التحولات». كان حمدي يذوب عشقاً وعلى رغم هذا يتلعثم خجلاً، يلتهب قلبه شوقاً ويتكتم البوح، وهكذا ظل في مرحلة المقدمات الطويلة المملة حتى رحلت المحبوبة مع أهلها بلا عودة...

رحلت لتخلف داخله مرارة ظلت عالقة في ذاكرته على رغم مرور السنوات، لم يستطع محو اسمها من على جذوع الشجر أو حبات المطر، حتى صدف البحر ما زال يقدس أغنيتها...

خسارة خسارة فراقك يا جارة

عينيا بتبكي عليكي بمرارة

القلب اللي بسهمك مجروح فين يهرب من حبك ويروح

على نار الشوق يتقلب و لا قادر يوم يتكلم

خلف غلاف شفاف من الخجل ضاعت أول «خفقة» شعر بها بليغ. صحيح قد يراها البعض مجرد مشاعر تحركها إرهاصات، لكنها وبغض النظر عن آثارها السيئة، إلا أنها كشفت حجم الخجل الذي عانى منه حمدي ليس في علاقاته العاطفية فحسب، بل في حياته عموماً. باختصار، كان «الخجل» البطل في حكايات كثيرة رويت عنه، و{بيت الداء» الذي أوقع حمدي في إشكاليات عدة أبرزها أو بالأحرى أشدها قسوة حادثة المغربية التي سقطت من شرفة منزله وما تبعها من تطورات، فلولا «الخجل» من جرح مشاعر أحد الأصدقاء لرفض أن تدخل بيته تلك الفتاة التي لم توجه إليها الدعوة أصلاً، بل جاءت بصحبة صديق تعامل مع بيت حمدي بوصفه بيته، وهذا ما أكده كل من كانت لهم صلة بحمدي، فبيته بيتهم ومفتوح دوماً حتى في غيابه، وصباح مديرة منزله تعكف على خدمة الجميع بلا كلل أو ملل.

قال حمدي في أحد حواراته: «بيتي مفتوح للجميع، هكذا تعودت، وليس غريباً على الإنسان أن يفتح بيته للآخرين». الخجل كان أيضاً السبب في ضياع كثير من حقوقه المادية، إذا كان يفضل الصمت دائماً على المطالبة بحقه، وعندما كان يستحثه أحدهم كان يرفض حتى لو كان في أشد الحاجة إلى هذا المال، والأمثلة على ذلك كثيرة كما أكد شقيقه د. مرسي سعد الدين، وأبرزها ما حدث في سنوات غربته اللاإرادية، حيث لحّن أكثر من أغنية لمطربة ربطتهما الصداقة يوماً (رفض ذكر اسمها) وسجّلت فعلاً هذه الأغنيات وطرحتها في الأسواق من دون أن تعطي حمدي مستحقاته المادية على رغم إدراكها حجم احتياجه للمال وهو خارج حدود وطنه قهراً لا اختياراً، وعندما اقترح عليه البعض أن يتخذ ضدها الإجراءات القانونية رفض!

قد يصف البعض ذلك بأنه نوع من السلبية في المطالبة بالحقوق، إلا أن من يعرفون حمدي جيداً يؤكدون أنه كان ضعيفاً جداً أمام أصدقائه، والمال كان آخر ما يشغله ويقيم له حساباً، سواء في ما يتعلق بالزمن، أو في علاقته بالبشر، فما أكثر الأموال التي ارتزق بها في حياته وبددها وكان للأصدقاء نصيب الأسد فيها، وفقاً لكلام
د. مرسي أيضاً.

عُرف عن حمدي أيضاً الإسراف الشديد، لذا لم يطالب صديقته المطربة بمستحقاته تاركاً لما حدث أن يضع الكلمة الأخيرة في علاقتهما...

تخونوه وعمره ما خانكم ولا اشتكــــــــى منكم

تبيعوه وعمره ما باعكم ولا انشغــــــــل عنكم

قلبي ليه تخونوه.

وجه آخر من وجوه «الخجل» أضاع من حمدي فرصة التعاون مع أحب صوت على وجدانه، ليلى مراد التي كان وظل يعشقها حتى آخر يوم في عمره. كان يرى أنها أعظم وأرق صوت عرفته مصر، وأهم مطربة مرت بشريط السينما. قال عنها: «ليلى مراد كانت حلماً بالنسبة إلي وأنا شاب صغير، كنت مفتوناً بها، وعندما أشاهدها في السينما كنت أجلس مذهولاً، أحفظ أغنياتها عن ظهر قلب، هي جزء أساسي من تاريخ الغناء العربي، ما حصلش إن حد غنى بالعظمة دي والوعي ده».

الغريب أن كل هذا العشق لم يترجم إلى عمل، والمرة الوحيدة التي دخل المشروع حيز التنفيذ تسبب عبد الحليم في إفساده. روى حمدي تلك الواقعة قائلاً: «لم تكن أغنية «تخونوه» مكتوبة أصلاً لعبد الحليم، فقد عرضها مؤلفها إسماعيل الحبروك على ليلى مراد وكانت قد اعتزلت الغناء حينها أو بتعبير أدق دخلت دائرة العزلة الإرادية، فطلبت أن تسمع اللحن وفعلاً أعجبها وأبدت حماسة لتقديمه وإهدائه إلى الإذاعة، فبدأنا البروفات، حتى فوجئت يوماً بعبد الحليم يطلب رؤيتي في مكتب المنتج رمسيس نجيب، وعندما ذهبت إليه فوجئت بوجود إسماعيل هناك، وعرفت أنه أسمعهم كلمات الأغنية، وبعد إلحاح من حليم أسمعته لحنها فصمم أن تكون من نصيبه، لكنني رفضت فأصر وظل الأمر على هذا النحو حتى فوجئت به يتصل بها ويطلب منها أن تخبرني بموافقتها شخصياً، وعبثاً حاولت أن أشرح لها الموقف، لكنها لم تمنحني الفرصة وحسمت موقفها بأن يكون اللحن من نصيب حليم، ليكون أول تعاون بيني وبينه على رغم صداقتنا المبكرة».

هكذا أفسد الخجل مجدداً مشروع العمر كما وصفه بليغ، لم يستطع إغضاب حليم فأسمعه اللحن، ولم يتمكن من الدفاع عنه لصالح ليلى مراد فضاعت الفرصة التي للأسف لم تتكرر، ليظل يعيش طويلاً وداخله «عقدة الذنب» تجاه هذا الصوت الذي طالما داعب وجدانه.

وعلى رغم أن ليلى مراد لم تغضب من حمدي وكما أخبرته لاحقاً، إلا أنه لم يسامح نفسه أبداً، خصوصاً أنه الوحيد الذي أقنعها بالخروج من عزلتها كما جاء على لسان ابن شقيقه هيثم حمدي في حواره مع أيمن الحكيم ضمن كتابه عن سيرة حمدي، إذ أقنعها بالظهور على شاشة التلفزيون ضمن برنامج «جديد في جديد» الذي كان يقدمه تلفزيون أبو ظبي، وعندما أعربت عن رغبتها في عدم إذاعة الحلقة استجاب حمدي لطلبها فوراً ومن دون تردد...

جانا الهوى جانا ..

ورمانا الهوى رمانا

ورمشه الأسمراني .. شبكنا بالهوى

آه ما رمانا الهوى ونعسنا ..

واللي شبكنا يخلصنا

كان يتأمل الموج وهو يختلط بالرمال، لم يفهم لماذا تفجر الآن هذا البركان داخله، من فتح بوابة الذكريات؟ لم يكن جمالها مبهراً، لكن روحها كانت خرافية، معها كان مهيئاً للعشق، لأن يلغي ماضيه، يتجرد أمامها من أسلحته كطفل حافي القدمين يمارس طفولته بكل ما فيها من براءة وحرارة وصدق...

مجدداً اشتعلت روما بالحرائق، ولم يعد مجدياً انتزاع سهم كيوبيد المستقر بأمان في قلبيهما. هي «إش إش» ابنة الموسيقار محمد عبد الوهاب... نجح حمدي في تجاوز مرحلة الخجل واستسلم تماماً لسلطة الحب، وهي أيضاً، ومرت الأيام وهي تخطف في ذيلها الأسابيع والأشهر، فيما الشوق والحب يشتعلان يوما تلو آخر...

يا حبيبي... يالله نعيش في عيون الليل

ونقول للشمس تعالي تعالي...

بعد سنة... مش قبل سنة

دي ليلة حب حلوه بألف ليلة وليلة

بكل العمر... هو العمر إيه غير ليلة زي الليلة

غير أن حاجز الخجل الذي توهم حمدي أنه نجح في عبوره إلى مساحات أكثر رحابة من العشق كان في ما يبدو تجاوزاً مرحلياً، إذ عاد ليتعلثم خجلاً وصولاً إلى الصمت الرهيب في الجلسة التي تم ترتيبها مع عبد الوهاب ليتقدم حمدي فيها رسمياً لخطبة ابنته وكان بصحبته وجدي الحكيم.

الطريف أن حمدي أدار حواراً طويلاً في الموسيقى وموضوعات أخرى كثيرة من دون أن يدخل في الموضوع الرئيس الذي جاء لأجله، لتنتهي الجلسة من دون أن يفاتحه أو على حد توصيف الحكيم لم يستطع، ليس تهرباً، لكن خجلا على رغم أن ظروفه المادية آنذاك كانت ميسرة، ما يعني أن طلبه لن يتم رفضه، يضاف إلى ذلك أن موسيقار الأجيال كان يدرك تماماً مقدار تعلق ابنته بحمدي، ناهيك عن اعتزازه وتقديره هو شخصياً له. باختصار، الأمور كافة كانت مهيأة لمد جسور التواصل، لكن فجأة صمت بليغ ليكتب بذلك كلمة النهاية.

أسدل حمدي الستار على أروع حريق يشتعل فينا تاركاً النار تأكله على مهل، فما في داخله من مشاعر ظلت تتأجج فترة طويلة، وسواء كان متعمداً أو دون إرادته فلن يتغير من الأمر شيء فلا مجال لمطاردة السراب، فما هو «كائن» قد «كان»، و{كان» يذهب دوماً مع الرياح.

المؤكد أنه عاد إلى فن الصمت، نجح فى ضبط إيقاع وجه خشية أن تتلعثم قسماته فتبوح عيونه بما يكمن داخله، فما قيمة الحوار أو الكلمات...

فات المعاد وبقينا بعاد بعاد

والنار... النار بقت دخان ورماد

تفيد بإيـه يا ندم وتعمل إيه يا عذاب

طالت ليالي الألم وأتفرقو الأحباب

وكفايه بأه تعذيب وشقا

ودموع في فراق ودموع في لقى

فات المعاد فات فات المعاد

هل ما حدث أفسد العلاقة بين عبد الوهاب وبليغ؟ ولماذا إذن عدل عبد الوهاب عن رأيه في إبداعاته، فاتهمه بأنه «رخص الغناء المصري» بعدما كان شديد الحماسة لموهبته ويراه أكثر موسيقار يأتي إليه الإلهام الموسيقي حينما صرح قائلاً: «ألحان بليغ تأتي في أيام ونحن ننتهي من أعمالنا في أشهر».

هل صحيح أن عبد الوهاب كان له دخل في مأساة حمدي التي دفعته إلى الارتماء خارج حدود وطنه سنوات، وفقاً للشائعات التي انطلقت حينها؟

في حوار د. مرسي سعد الدين لجريدة «المصري اليوم» اعترف بغيرة فنية يراها المبرر الوحيد لمثل هذه التصريحات. قال: «مما لا شك فيه أن الموسيقار عبد الوهاب كان يغار من أعمال بليغ، بدليل أن عبد الوهاب لحّن لأم كلثوم بعد أن لحن لها حمدي».

وفي موضع آخر من الحوار أكد د. مرسي أن عبد الوهاب هو الذي رفض طلب حمدي في الاقتران بابنته، نافياً توصيفها بالمناورة للتقرب فنياً من عبد الوهاب، مؤكداً على ما ربط بين شقيقه وابنة عبد الوهاب من مشاعر انتهت برفض الأب. وبغض النظر عن أيهما أصدق في روايته د. مرسي، أم الحكيم، فلن يتغير من الأمر شيء، المؤكد أو الثابت أن تحولاً حدث في تقييم حمدي فنياً من وجهة نظر عبد الوهاب سواء كان ذلك بسبب غيرة فنية أو لموقف شخصي. أما اتهامه بأنه أدى الدور الأكبر في إدانة حمدي لإبعاده عن منافسته وفقاً لما كان يدور في الكواليس آنذاك فهو ما نفاه الناقد طارق الشناوي، مشيراً إلى أن الجمهور كان مهيئاً للتصديق...

أما عن هذا التحول، ففسره الشناوي قائلاً: «بليغ هو أكثر ملحن عرفته مصر والعالم العربي، وما قدمه حمدي يتجاوز في العدد خمسة أضعاف، على أقل تقدير، ما قدمه عبد الوهاب على رغم أنه عاش مبدعاً أكثر من 70 عاماً، بينما لم تتجاوز سنوات إبداع حمدي 40 عاماً».

أيضا كان حمدي، من وجهة نظر عبد الوهاب، لا يجتهد كثيراً في التعايش مع الجملة الموسيقية التي تمنحها له السماء، فلا يعيد التفكير فيها ولا يترك لها الفرصة كي تختمر «إبداعياً» في أعماقه، بل يقدمها للجمهور مباشرة.

هل هذه الأسباب هي الوحيدة وراء هذا التحول؟ المؤكد أن عبد الوهاب أزعجه بشده آراء عدد كبير من الخبراء الذين راحوا جميعاً يؤكدون أن بليغ هو الوحيد الذي أدخل تطويراً حقيقياً على الموسيقى الشرقية بعد خالد الذكر سيد درويش، ما يلغي تماماً دور عبد الوهاب في أية إسهامات.

يقول د. مرسي : «لا أنسى هذا الرأي الذي أطلقه بحماسة وصراحة الموسيقار محمد نوح في الاحتفاء بذكرى بليغ الأولى، وعندما راجعته في رأيه وكيف تناسى عبد الوهاب، قال: «بليغ أدخل حاجات شرقية أصيلة في الموسيقى العربية، أما عبد الوهاب فأدخل حاجات غربية».

في الحكي تختلط الروايات حتى لا نكاد نعرف «الحقيقة الناصعة». المؤكد الآخير أن هناك ألف سبب للضغينة ولا عذر للمحبة!
**«الموعود بالعذاب سيرة الحب العاشق

هل يمكن الحديث عن «العشق و الهوى» من دون أن تتصدر ألحان بليغ حمدي المشهد؟ هل يمكن الإبحار في ألحانه وعدم التوقف أمام شواهد عدة تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أننا أمام موجة من «تسونامي العشق»، تتساوى في أعماله للنقشبندي، أم كلثوم، حليم، شادية، نجاة، وردة، ومحمد رشدي... حتى أغنياته الوطنية كلها نغمات تجسّد حالة عشق شديدة الخصوصية.

حمدي «سيرة الحب والعشق»، قال: «الحب من سمات الفنان فعلاً، واللي مفيش جواه حب، ما اعتقدش حيبقى في جواه فن». لم تحدد كلماته لوناً محدداً للحب، هو يراه كائناً مكتملاً لا مجال فيه للفصل بين حبه للوطن، أمه، أصدقائه أو حبيباته اللاتي لم يستطع نزع آثارهن من دفتر أيامه.

في حواره مع الإعلامي وجدي الحكيم أكد حمدي هذا الكلام قائلاً: «الحياة من دون الآخرين لا معنى لها، مش كفاية تكون مبسوط، لا، لازم تحس بسعادة الآخرين وبحزنهم». وفي موضع آخر أوضح: «لا أتصور شاعراً مثلاً قاعد كل همه إنه يشتم في الناس، الشاعر الحقيقي هو اللي يحب، والحب لازم يكون حقيقياً نابعاً من جواه»...

كلمة الحب اللي بيها... تملك الدنيا وما فيها

واللي تفتح لك كنوز الدنيا ديه... قولها ليه

قولها للطير... للشجر... للناس... لكل الدنيا...

قول الحب نعمة... مش خطية

الله محبة... الخير محبة... النور محبة

بعيداً عن الحب، كشف حمدي عن سبب آخر للتميز: «ألحاني كافة التي دخلت قلوب الناس سواء لأم كلثوم أو غيرها، كان مصدرها القرآن الكريم لأنه كان يجمع في آياته أجمل الألحان وأعظمها». فهل لهذا السبب اتجه في نهاية حياته إلى الفكر الصوفي، كما يؤكد شقيقه أم أن صداقته للشيخ سيد النقشبندي وتجربتهما الثرية في الابتهال الديني تركت آثارها على وجدانه، ثم بات هذا الفكر يتحين الفرصة للتحرر، خصوصاً بعد سنوات الغربة اللاإرادية.

في هذا المجال، قال د. مرسي: «يبدو أن الغربة والوحدة أوجدتا لديه هذا التوجه، والدليل ما كتبه حمدي بخط يده من كلمات وأفكار عن العشق الإلهي، كذلك دوّن معانٍ لكلمات القرآن الكريم، وإن كنت أعتقد أن فترة صداقته للشيخ النقشبندي هي التي جعلته يجتر هذا المخزون الفكري في غربته بعد أن زهد رَغَدْ الحياة ومباهجها»...

مَوّلاي إنّي ببابكَ قَد بَسطتُ يَدي...

مَن لي ألوذُ به إلاك يا سَندي؟

أقُومُ بالليّل والأسّحارُ سَاهيةٌ

أدّعُو وهَمّسُ دعائي... بالدُموُع نَدى

بنُورِ وَجهِكَ إني عَائدٌ وجلُ...

ومن يعذ بك لن يَشّقى إلى الأبدِ

الثابت أن حمدي لم يكن يتعامل مع التلحين عموماً وفقاً لقوالب ثابتة، بتوصيف أدق لم يخصص «تيمات» محددة للأغنية العاطفية، أو الوطنية أو الشعبية أو الأوبريت... وهذا ما يفسر سر تميز تجربته في الغناء الديني التي حلق فيها بعيداً عن القوالب التقليدية ومقاماتها وإيقاعاتها، حتى أنه وفي بعض الأغنيات مزج الغناء الديني بالوطني كما في «بسم الله... الله أكبر» إحدى أشهر أغنيات حرب أكتوبر، أو في «المسيح» التي غناها عبد الحليم بعد يونيو 1967...

تاج الشوق فوق جبينه وفوق كتفه الصليب

دلوقت يا قدس ابنك زي المسيح غريب غريب

خانوه نفس اليهود

ابنك يا قدس زي المسيح لازم يعود

على أرضها

هكذا تعامل حمدي مع الأغنية الدينية كأي أغنية أخرى، ليس فحسب في اختياره جملاً موسيقية بعيدة عن المألوف، بل أيضاً بإدخاله آلات غربية لم تعتدها الأذن مع الغناء الديني التقليدي مثل الأورغ والغيتار، لتبقى تجربته مع الشيخ سيد النقشبندي في الابتهالات الدينية الأبرز في الغناء الديني عموماً وليس في تجربة حمدي الموسيقية فحسب.

النقشبندي كصوت قوي وعريض كان بمثابة تحد يستفز أي ملحن كي يصول ويجول، فما بالنا بحمدي الذي بحث عن مثل هذه التحديات دوماً، ثم حلّق بالأغنية الدينية على طريقته الخاصة، فجاءت مزيجاً بين الروح الشعبية والصوفية، مفرداتها قريبة من الوجدان، إيقاعاتها سلسة كما في «مولاي» التي على رغم أنها قدمت في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1973 كإحدى أغنيات الحرب لمساندة الجنود على الجبهة في حرب التحرير، إلا أنها بقيت ولا تزال إحدى علامات الشهر الفضيل، ما إن نسمعها حتى نستعيد معها طقوس الصيام.

أثمرت تجربة حمدي والنقشبندي ابتهالات أخرى كثيرة، كانت وستظل محفورة في وجداننا، من بينها مثلاً «ربنا إحنا جنودك»، «عليك سلام الله»، «أنغام الروح»، «أيها الساهر»، «أقول إمتى» وغيرها من أغنيات.

بعيداً عن النقشبندي، قدّم حمدي عدداً من أغنيات صنّفت بالدينية مثل «أنا عيني بتعشق فيك اسم الله»، «الله الله على الخاشعين» لوردة، و{أسماء» لعفاف راضي، لكنها لم تحظ بالنجاح نفسه الذي حققته تجربته مع النقشبندي.

لا فرق في ترجمة انفعالات حمدي الموسيقية، سواء العاطفية أو الدينية أو غيرها من الألوان الأخرى، إذ تعامل مع الموسيقى بوصفه هاوياً وليس محترفاً، عاشقاً لا يحب أن يصرخ، يحتج، أو حتى يتمرد في وجه هذه السلطة تحديداً، معها يتحرر من القيود، ولا مجال معها لأي إحساس بالقهر أو الظلم...

قال حمدي: «المزيكا بالنسبة إلي مش عمل ولا مهنة، المزيكا حالة حب، علاقة عشق متواصلة، عشق فيه الحب وفيه الغضب، يعني ساعات المزيكا تغضب مني، وأنا أيضاً ساعات أغضب منها، أحياناً أحاول أعمل حاجة فتصدني وتقولي مفيش، وساعات لوحدها تصحيني من النوم وتديني كل اللي بدور عليه».

وهكذا لم تكن علاقة حمدي بالتلحين مجرد مهنة اختار أن يحترفها بوعي وإصرار، بل حالة عشق وتواصل أبدي لم تفلح القوانين الوضعية والعلمية كافة في حسم علاقته به أو تغيير وجهة نظره عنه أو طرق تعامله مع آلياته.

لهذا حرص حمدي على تسليح نفسه بالعلم (كان يدرس الحقوق وفقاً لرغبة والدته ويواصل في الوقت نفسه دراساته الموسيقية المتخصصة في معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية، ثم في المعهد العالي للموسيقى المسرحية)، ولولا هذا الإصرار في تدعيم موهبته بالدراسة لما تحمّس له محمد حسن الشجاعي صاحب القرار الأول والأخير في الإذاعة المصرية في تلك الأثناء.

عن تلك التجربة ذكر حمدي: «عندما تقدمت لاختبارات الإذاعة صوتياً وموسيقياً فوجئت بقبولي كمطرب فحسب، ولم أفهم حينها لماذا أصر الشجاعي على رفضي وبعناد شديد، ومرت السنوات واصلت فيها مشواري مع التلحين حتى فوجئت يوماً باتصال منه يطلب مقابلتي، وعندما ذهبت له أحسن استقبالي، وأعرب عن إعجابه بألحاني، مؤكداً أنه كان يشعر بهذه الموهبة منذ البداية، لكنه لم يرغب في دفعي إلى احترافها قبل أن يتأكد من دراستي الموسيقى دراسة حقيقية، مشيراً إلى أن المراحل المقبلة مراحل علم. صحيح للموهبة أهميتها وحضورها، لكنها ستظل ناقصة ما لم تعضد بالدراسة».

واصل حمدي: «كان الشجاعي يؤمن أن المستقبل للملحن الموهوب، الذي يعرف كيف يقرأ النوتة، وعندما تأكد من أنني أصبحت أملك هذه المعرفة وافق على اعتمادي في الإذاعة كملحن، بل أولاني رعاية كبيرة، فأرسلني إلى البروفيسور ميناتو ليعلمني النظريات الموسيقية، وإلى البروفيسورة جوليا ليعمق دراستي للبيانو».

الأمر الذي ترك أبلغ الأثر على حمدي في خطواته التالية، وحتى بدأت علاقته بالموسيقى تكتمل، أي أن يحظى بكلام يبدأ في تلحينه، يكتب النوتة، يغني، يحضر البروفات والتسجيل...

كيف بدأت علاقته عملياً بالتلحين؟ البداية العملية، كما يؤكد حمدي، كانت مع فايدة كامل زميلته في الجامعة وفي فرقة «ساعة لقلبك»، قبلها كان يكتفي بتلحين بعض الأغنيات الاستعراضية للفرقة التي كان يشارك فيها بالغناء أيضاً، ثم أعربت فايدة عن إعجابها بأغنية «ليه فايتني ليه» وطلبت أن تغنيها. وطبعاً، رحب حمدي بالعرض، فإذا بالأغنية تحقق نجاحاً كبيراً، الأمر الذي شجع فايدة على المطالبة بأغنيات أخرى فقدم لها «ليه لا» و{ليه قابلني» اللتين حققتا النجاح نفسه، ما دفع نجوم المشهد الغنائي آنذاك إلى البحث عنه ومطالبته بالتلحين لهم وفي مقدمهم هدى سلطان التي لحن لها «عزالك علموك ع الهجر»، ثم كامل حسني وأغنية «قولي أحبك ليه».

المؤكد أن هذه الألحان ساهمت في الترويج لحمدي بوصفه نمطاً جديداً من الملحنين، الأمر الذي ساعده على حسم قراره بالتوقف عن الغناء والتركيز على صياغة مشروعه كملحن.

ذكر حمدي: «كان التلحين يستحوذ على اهتمامي كله، فقد كنت متأكداً أنه مستقبلي وليس الغناء، حتى أنني كنت أرفض غالباً الصعود على المسرح لأغني محاولاً إقناع زملائي في الفرقة بأن يكتفوا بي كملحن، لكنهم كانوا يصرون على ضرورة غنائي، فكنت أرضخ لطلبهم كي أوفر للفرقة أجر المطرب الذي ستضطر للاتفاق معه اذا امتنعت عن الغناء».

بعد أربعة أعوام في الفرقة كانت مثمرة لكل منهما، قرر حمدي حسم الأمر كي يتفرغ لمتابعة دراسته الموسيقية ومعرفته بفنون التلحين، والأهم اقتحام الإذاعة والحياة على السواء كمطرب وكملحن أيضاً...

وبتسأل يا حبيبي بحبك قد إيه

ده حبك يا حبيبي بالعالم واللي فيه

بالشمس والقمر

بالنجمة والسهر

والنسمة والسفر

كان حمدي يحلم بموسيقى مختلفة، يستقي مفرداتها من الناس، لذا خرجت منهم ولهم، لتؤكد أن الصدق وحده هو بوابة العبور لوجداننا... يقول حمدي: «أنا فنان متجول، أبحث عن شيء مفقود داخل حنجرة معظم المطربين ألا وهو الصدق».

الحب والصدق إذن مفتاحا حمدي للتميز، وهما أيضاً مفتاحا التواصل معه كإنسان، والقيمة التي كان يبحث عنها في كل صوت جديد يكتشفه ويتحمس لتقديمه، فلا بد أن يكون عاشقاً لفنه، وصادقاً في طرحه، ربما في مقدمة هذه الأصوات الفنانة عفاف راضي التي كان وسيظل اسمها مقترنا بحمدي، فقد بدأت رحلتها الفنية من خلاله، وتوارت عن الأضواء بعدما غيبته الغربة مرة والموت نهائياً.

عفاف راضي انتزع لها حمدي شهادة ميلاد فنية وسط ساحة كانت مملوءة بالعمالقة: وردة، نجاة، فايزة، حليم، شادية...

التقطها مثلما يلتقط «الصائغ» جوهرة ثمينة وقرر أن يتبناها فنياً، ولم يكتف بتقديمها من خلال لحن «ردوا السلام» الذي ما زال يحتفظ بمكانته على خارطة الغناء، لكنه كان حريصاً على دعمها بشدة، إذ صمم على قيادة الأوركسترا بنفسه خلال غناءها للتأكيد على موهبة عفاف وتوصيلها إلى الجميع، ما ساهم ليس بدعمها فحسب، بل في إدخالهما دائرة الشائعات التي ظلت تربطهما طويلاً، خصوصاً أن التعاون بينهما استمر سنوات وأنتج أغنيات ناجحة من ينها: «وحدي قاعدة في البيت»، «هوا يا هوى»، «تساهيل»، «الرزق على الله»، «عطاشا»، «عين يا قمر»، «كله في المواني»، «راح وقالوا راح» و{جرحتني عيونه السودة» وغيرها.

حول هذه الشائعات يقول حمدي في أحد حواراته: {كل مطربة أعمل لها لحنا لا بد أن تظهر شائعة زواج بيني وبينها، وينسجون حولنا قصصاً وهمية، ولو كان كل ما يقال صحيحاً لأصبح لديَّ الآن 90 زوجة وحوالي 160 مولوداً!!}.

المؤكد أن الشائعات لم تربط حمدي بعفاف راضي فحسب، بل بكثيرات، مثل صباح التي قيل إنه تزوجها مدة يوم عرفياً، وسميرة سعيد التي كانت السبب في انفصاله عن وردة كما تردد، كذلك زوجته الشائعات من ميادة الحناوي كوسيلة تأمن لها الاستقرار في مصر، حتى الفنانة شادية التي ربطتها به صداقة قوية لم تسلم من تلك الشائعات، ربما ساعد على ذلك طبيعة حمدي المتمردة، وطريقته في ممارسة حياته «بطولها وعرضها»، يضاف إلى ذلك خصوصية المرأة في حياته، فهي وكما قال: «كل شيء في حياته ولا يمكن أن يتصور نفسه من دونها».

وهكذا بين «ماريا» اليونانية، ووردة «الجزائرية» كانت أسماء كثيرة، دخل بعضها دائرة الشائعات، وبعضها الآخر تحول إلى واقع ملموس مثل تجربته مع أمينة التي لم يستمر زواجهما أكثر من عام ونصف العام، مروراً بتجربته مع «إش إش» ابنة عبد الوهاب التي لم يكتب لها القدر الاستمرار، ثم فارق إش إش الحياة، وعلى رغم أن حمدي ذاب عشقاً بالفنانة سامية جمال إلا أنه فشل في الارتباط بها لأنها اعترضت على شرطه الخاص باعتزالها الرقص، وهو السبب نفسه تقريباً الذي أنهى علاقته بالفنانة نجوى فؤاد وإن كان البعض يؤكد أنها لم تكن تبادل حمدي المشاعر الجياشة نفسها، لأنها كانت خارجة للتو من قصة حب فاشلة بعدما رفضت والدة أحد الموسيقيين الاعتراف بزواج نجوى من ابنها كما يؤكد الصحافي فوميل لبيب، فخشيت التورط بتجربة أخرى تترك في داخلها الأثر السيئ نفسه.

تحضر المرأة بقوة في حياة حمدي، هي بمثابة شرارة الحياة والإبداع، «قبس من نور»، «طلة القمر»، «رائحة المطر»، هي من ترسم أيامه وتحتوي جنونه، وتساعده دوماً على تجاوز خطط الانقراض والتلاشي التي تداهمه حيناً وتهزمه كثيراً.

المرأة هي الحلم والألم أيضاً، لحظات الاشتعال التي لم يستطع يوماً العيش من دونها، أروع حريق استمتع بآثاره ورفض طمس هويته...

يا حبيبي إيه أجمل م الليل واتنين زينا عاشقين

تايهين ما احناش حاسين العمر ثواني ولا سنين

حاسين إننا بنحب وبس

عايشين لليل والحب وبس

يا حبيبي الحب حياتنا وبيتنا وقوتنا

للناس دنيتهم واحنا لنا دنيتنا

وإن قالوا عن عشاقه بيدوبوا في نار أشواقه

أهي ناره دي جنتنا
عاشقة شادية
عاشقة شادية
مشرفة
مشرفة
رقم العضوية : 55
عدد الرسائل : 821
الدلو انثى الثور
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

 بليغ حمدي الطير المسافر... Empty رد: بليغ حمدي الطير المسافر...

الأربعاء 06 أكتوبر 2010, 22:25
وردة وبليغ... سيرة الحب


وردة... أبجدية بليغ الخاصة جدا في الحب، صياغة أخرى للعشق، قصيدة مكتوبة بماء الورد، جملة موسيقية لم تتكرر.

هي «طلّة القمر» كما رآها وظل يراها، حلمه القديم المغسول بحبات الندى، دهشة الأطفال الأولى، الوردة التي أهدتها له السماء.

معها تلهث مفرداته ولا تنتهي أحلامه.

هي من شكّل طعم أيامه، داعبت أحلامه... أكثر من احتوت لحظات جنونه لتتحول إلى أعذب الألحان... وهو ساعدها كي تنسى واقعاً زيّف كثيراً من إرادتها، أزال الفواصل والفوارغ وكل ما علق بروحها من آلام، أسكنها المألوف من الحكايا الساحرة و...أهداها الحلم.

بليغ ووردة حلقة جديدة في مسلسل ثنائيات العشق... «اتنين عاشقين... تايهين مش حاسين العمر ثواني ولاّ سنين»، « عايشين لليل والحب وبس».

قبلها كان بليغ «بيخاف من الحب وسيرة الحب وظلم الحب لكل أصحابه»، كان يعرف «حكايات مليانة آهات ودموع وأنين»، لكنه كان يدرك أيضا أن «العاشقين ذابوا ما تابوا».

عنها يقول بليغ: «وردة هي حبيبتي قبل أن تكون زوجتي، توأم روحي قبل أن تكون شريكة حياتي».

أما هي فقالت:

قد اللي فات من عمري بحبك

وقد اللي جاي من عمري بحبك

قبل أن تلتقي عيونهما ويستشعرا «حلاوة سلام أول لقاء» التقيا بالروح وتآلفا.

داعب صوتها وجدانه قبل أن تسكنه عيونها «السود»، فلقد جاءه الأصدقاء، الذين يدركون بحثه الدائم عن كل موهبة جديدة صادقة ومعبرة، بأسطوانات لها وهي تشدو «يا ظالمني» لكوكب الشرق أم كلثوم وغيرها من الأغنيات المتداولة في تلك الأثناء، فسحره الصوت وظل يتابعه عن بعد بشغف.

السيناريو نفسه كان على الجانب الآخر، وصلتها أنباء الانقلاب الفني الذي أحدثه بليغ في الموسيقى والأغنيات فسكنتها الألحان، أذهلتها، أبهرتها كما الأطفال أمام الألعاب النارية.

غير أن القدر الذي كان له مع بليغ صولات وجولات، اختصر المسافة بين الحلم والواقع، أطلق دوائر التواصل، منحها الضوء الأخضر. رشحت وردة لبطولة فيلم «ألمظ وعبده الحامولي» ومن ثم رشحه محمد حسن الشجاعي، رئيس الإذاعة آنذاك، لحلمي رفلة منتج الفيلم ومخرجه ليشارك بألحانه فيه، الغريب أن بليغ ورغم سابق معرفته بصوتها وإمكاناته إلا أنه اشترط أن يلتقيها قبل أن يوافق، فهل هو «شوق اللقاء»؟

صحيح أن الاستماع لأي صوت جديد وقبوله نفسياً وفنيا كانا شرطين لم يتنازل عنهما بليغ، بل كان يصرّ عليهما دوماً في كل تجاربه، مهما كانت الضغوط التي يمكن أن تمارس عليه، فمثلا في واقعة حكاها شقيقه د. مرسي أن السيدة جيهان السادات، زوجة رئيس الجمهورية آنذاك أنور السادات، أعربت عن رغبتها في أن يتبنى بليغ صوت ياسمين الخيام، إلا أن هذا الأخير هبّ في شقيقه الذي كلف بنقل الرسالة، بوصفه المتحدث الرسمي للرئاسة آنذاك، قائلا: «أنا ما ألحنش بالأمر» واشترط أن يستمع إلى صوتها أولا، فإذا نال إعجابه سيلبي الرجاء وليس «الأمر»، وقد كان، ما يشير إلى أنه يرفض دوماً أن يملي أحد شروطه عليه، فالفن كما يؤمن به بليغ لا يعترف بـ «الواسطة» ولا مجال للمجاملات فيه. غير أنه ومع وردة لم يكن ينفذ شرطا أو عهدا قطعه على نفسه فحسب، لكنه حتما كان مدفوعاً برغبة داخلية للتواصل واقعياً مع صوت سكنه بسحره وحميميته، وكان اللقاء الذي لم يشعل حماسة بليغ، في ما يبدو، نحو وردة المطربة فحسب، لكنه حرر العاشق في داخله وإن ألجمه «الخجل» كالمعتاد.

الحب كله حبيته فيك

الحب كله

وزماني كله أنا عشته ليك

زماني كله

اسقيني تاني من الحب

منك

من نور زماني

اسقيني ياللي من يوم ما شفتك

حسيت كإني اتخلقت تاني

في الحلقات التي كتبها الكاتب والصحافي فوميل لبيب عن بليغ ونشرتها مجلة «الشبكة» اللبنانية في أبريل عام 1984، أكد أن الحب بين وردة وبليغ ولد مع أول لقاء، من أول تلامس واقعي بينهما حينما تساقطت الدموع من عين بليغ وهو يستمع إليها تغني له «بحبك فوق ما تتصور»، إحدى أغنيات الفيلم، لتبادله وردة الإحساس والدموع أيضا التي انهمرت من عينيها، ما يشير إلى أن سهم كيوبيد كان قد استقر في قلبيهما، ما دفع حميدو، شقيق وردة الذي كان يلازمها كظلها، إلى منع لحظات الاشتعال عبر جفاء المعاملة لبليغ تارة وتهديده بـ «الويل والثبور» تارة أخرى، حتى وصل الأمر، كما ذكر فوميل في حلقاته، إلى أن تطاول على بليغ وطرده من الاستديو، الأمر الذي فتح شهية النميمة والإشاعات، فحاول حميدو حسمها بتصريحه للصحافة بأن وردة لن تتزوج ولن تفكّر بالزواج قبل أن تحصل الجزائر على استقلالها وبعد أن تحيي حفلات النصر.

أضاف أنها لو تزوجت فلن تختار زوجاً من الوسط الفني مطلقاً، فلقد ثبت أن الزيجات الفنية هي أفشل الزيجات وعمرها قصير.

توقيت لحظة الاشتعال، كما رصدتها رواية فوميل، أكدها رفاق الرحلة في مشوار بليغ الفني والإنساني، ما ينفي تماماً ما ذكرته وردة في أحد حواراتها الصحافية من أنها اشتبكت في خناقة حامية الوطيس مع بليغ حمدي في منزل الموسيقار الكبير رياض السنباطي، الذي تحمس لصوتها وقرر أن يتبناها فنياً، إذ شعرت بأنه شاب مغرور بعد النقاش الذي تصاعدت حدته بينهما فلم «تستظرفه» وهو كذلك، فكرهته وخرجت غاضبة لا تريد أن تراه مرة أخرى، لكنها لم تكن تتخيل أبداً أنه سيأتي الزمن الذي ترتبط به فنياً بل زوجيا أيضاً.

يخالف هذا الكلام الواقع تماماً، لأنه في أول وجود فني لوردة في مصر غنت لبليغ الأغنيات التي تضمنها فيلم «ألمظ وعبده الحامولي» الذي أخرجه حلمي رفلة، وإذا لم يكن بإمكانها رفض ألحانه آنذاك، فلمَ وافقت لاحقاً على أن يلّحن لها أغنيات عيد الاستقلال في الجزائر التي أعادتها إلى الأضواء مجدداً بعد اعتزالها سنوات عشر بسبب زواجها من أحد ضباط ثورة التحرير في الجزائر وتفرغها لرعاية ولديها منه وداد ورياض.

ثم بعد انفصالها وعودتها إلى هوليوود الشرق لتستأنف وصل ما انقطع في مشوارها الفني اتصلت ببليغ وطلبت منه أن يجهز لها أكثر من لحن، كان من بينها «والله زمان يا مصر» الذي شاركت فيه في الاحتفال السنوي بعيد ميلاد إذاعة صوت العرب، وأغنية «قد العيون السود» التي لم تنجح عبرها وردة في استعادة مكانتها بقوة على خريطة الغناء فحسب، لكنها تأكدت من خلالها وبما لايدع مجالا للشك أن «وهج الحب» أو «قبس النور» ما زال مشتعلا في قلب بليغ ووجدانه بدليل اختياره لهذه الكلمات تحديداً لتكون رسالته أو رسوله في التعبير عن الكامن في جوارحه منذ سنوات، تحكي لها عن «ليالي البعد» وكيف مرّت به وأن حبه فيها «كان بيكبر كل ليلة وأكتر» و...

وعملت إيه فينا السنين

فرقتنا لا

غيرتنا لا

ولا دوبت فينا الحنين

لا الزمان

ولا المكان

قدروا يخلوا حبنا... حبنا ده يبقى كان

وبحبك والله بحبك والله والله والله بحبك

قد العيون السود بحبك

قد أغاني الصبر بحبك

قد اللي فات من عمري بحبك

قد اللي جاي من عمري بحبك

وشوف قد إيه شوف قد إيه بحبك

كان الارتباط بينهما حتميا، ليس حسماً للإشاعات التي طاردتهما طويلا فحسب، لكن لأنه «مقسوم لنا نرجع نقابل بعضنا»، كما لم يعد من العمر ما يمكن إضاعته «شوف كام سنة من عمرنا... ضاعوا مننا» و...

آه لو قابلتك من زمان

كانت حياتي اتغيرت

ولا كان جرى كل اللي كان

بالتأكيد لم تكن صدفة هذه الاختيارات من قبل بليغ لما تشدو به وردة قبل ارتباطهما، ما يشير مجدداً إلى إشكالية الخجل التي كانت تعيقه حتماً ودوماً عن مد جسور التواصل، لذا ابتدع طرقاً مختلفة للتعبير عما في داخله من مشاعر، وسائط ووسائل مختلفة تحمل «بصمة بليغية»، فمثلا وكما تعترف وردة كان يرسل إليها يومياً، على مدى سنوات زواجهما السبع، باقة من الورود تحكي وتؤكد لها أنها الحب الحقيقي، وهي كذلك بالفعل، فبليغ، وفقاً لطبيعته التي يعرفها كل من اقترب منه، كان كائناً لا يمكن تطويقه برباط الزواج، بوصف أدق لم يخلق للزواج، فهو يظل سعيداً، مرحاً، منتجاً طالما هو متحرر من كل القيود وفي مقدمها رباط الزواج. صحيح أنه كان عاشقاً متيماً أو وفقاً لوصف حليم «بيحب في الليلة 3 مرات» لكنه «بيتخنق» إذا ما طوّق بهذا الرابط، بدليل فشل زواجه الأول الذي سبق زواجه من وردة بسنوات طويلة، ورغم حبه لهذه الفتاة «أمينة» التي تزوجها «وش الفجر» بعدما ألحّ عليه الخاطر ولم يعد قادراً على تحمّل نار الشوق، كما يؤكد شقيقه د. مرسي سعد الدين، لم يستمرّ زواجه أكثر من شهرين، وعندما استأنفا الزواج لم يستمر أكثر من عام، حينها علّق بليغ على فشله قائلا: «اكتشفت أنني لا أستطيع أن أكون زوجاً... كنت أختنق كل يوم».

في كتاب أيمن الحكيم عن سيرة بليغ ورد أن هذا الأخير قال رداً على سؤال للمبدع عبد الرحمن الخميسي إذن لم تزوجت؟ «لأنني كنت أظن أن الزواج شيء مختلف، لكن شعوري بأن هناك في بيتي كائناً حياً ينتظرني، يقطع عليَّ استغراقاتي الفنية ويجذبني من كل أفكاري ويقيدني»...

فكيف نجحت وردة في تطويقه 7 سنوات كاملة كان فيها الأكثر إنتاجاً وإبداعاً؟ المؤكد أن الحب وحده هو كلمة السر التي دفعت بهذا «التلقائي»، «الفوضوي» وغيرهما من التوصيفات التي جاءت على لسان وردة والأصدقاء إلى الدخول بإرادته هذا القفص، دونما عثرات تحول دون مواصلة الإبداع.

يحكي الخميسي عن واقعة تشير إلى حجم هذا الحب قائلا: «في أحد الأيام زارني بليغ حمدي وكان متجهّما وطلب مني مبلغاً من المال لم يكن في حوزتي، فهمت منه أنه يريده لشراء هدية لوردة بمناسبة عيد ميلادها، عبثا حاولنا تدبير المبلغ لكننا فشلنا فاقترحت عليه أن نصنع أغنية عن الأفراح بوصفها المناسبة الأكثر انتشاراً، بالفعل كتبت أغنية «ما تزوقيني يا ماما» فتحمس بليغ لتلحينها بعدما أعجبه الكلام وفور أن انتهينا منها اتصلنا بالفنانة مها صبري التي أعجبتها بالطبع وقررت أن تغنيها على الفور، ليحصل بليغ في اليوم نفسه على أضعاف المبلغ الذي كان يحتاجه من أجل هدية وردة».

خايفة من بكرة... واللي هيجرى...

لما تروح...

وتغيب سنة... وتفوت هنا...

حبيب مجروح...

وخليك هنا خليك...

بلاش تفارق...

فلماذا وقع الانفصال رغم كل هذا الحب؟

عبّرت وردة، في كثير من أحاديثها، عن شدة ارتباطها ببليغ، مؤكدة أنه كان يعني لها الكثير، يضاف إلى ذلك، كما يرى المتخصصون، أن ألحان بليغ التي قدمها لوردة تمثل التاريخ الحقيقي لها كفنانة وكمطربة، وهو ما اعترفت به وردة قائلة: «بليغ كان «بيفصل» لي الألحان».

أما بليغ فاعترف عقب انفصاله عن وردة، قائلا: «خرجت من تجربة طلاقي من وردة بأن الإنسان أحيانا يكون عنيداً مع نفسه من دون داع أو تفكير».

قد يرى البعض أن العند كان سبباً، ربما، لكن وفقا للمتداول من إشاعات في الوسط الفني حينذاك، فإن علاقته بالمطربة ميادة الحناوي تحديداً، ومن قبلها مطربات أخريات اكتشفهن بليغ، كانت سبباً أكيداً وراء الانفصال، بتعبير أدق دمرت غيرة وردة كامرأة وزوجة حياتهما وأفسدت علاقتها بمن امتلك يوماً قلبها وهو ما اعترفت به وردة في أحد حواراتها قائلة: «لا يوجد حب من دون غيرة، أنا اتعذبت وكوتني نار الغيرة والشك».

كان يا ما كان‏..‏. الحب مالي بيتنا‏..‏. ومدوبنا الحنان

زارنا الزمان‏..‏. سرق منا فرحتنا‏..‏. والراحة والأمان

حبيبي كان هنا‏..‏. مالي الدنيا علي‏َّّ...‏ بالحب والهنا

حبيبي يا أنا‏..‏. يا أغلى من عينيَّ‏...‏ بالحب والهنا

حبيبي يا أنا‏..‏. يا أغلى من عينيَّ‏..‏ نسيت مين أنا

أنا الحب اللي كان‏..‏. اللي نسيته قوام‏..‏. ومن قبل الأوان

هكذا حاول بليغ أن يرقق قلب وردته والغريب عبر صوت ميادة الحناوي، التي تردد أنها كانت سبباً لهذا الانفصال، حتى أن البعض راح يؤكد أن إبعاد ميادة عن مصر لأكثر من 13 عاماً كان بسبب «جهات عليا» تدخلت لصالح وردة، فيما كشف وزير الداخلية الأسبق النبوي إسماعيل في حواره مع الإعلامية هالة سرحان أن نهلة القدسي زوجة محمد عبد الوهاب هي التي تدخلت لترحيل ميادة عن مصر بعدما اكتشفت أو بالأحرى تأكدت من «هيام» عبد الوهاب بميادة، فراحت تطلب العون وهو ما تحقق لها، ما يسقط التهمة عن وردة على الرغم من أن البعض وفي مقدمهم ميادة يؤكد بما لايدع مجالا للشك أنها تعرضت لمؤامرة نسائية اتحدت فيها وردة مع نهلة.

بعيداً عن تعدّد الروايات في تلك الإشكالية نجح بليغ في الاحتفاظ بوردة الصديقة بعدما فشل في الحفاظ عليها كزوجة، بدليل أنها غنت له بعد 8 سنوات من انفصالهما «بودعك « بعدما أسمعها اللحن عبر الهاتف من منفاه في فرنسا، فوافقت وردة على أدائه رغم ترددها في البداية، مجددا تؤكد كلمات الأغنية أنه مازال عاشقا محباً.

تقول وردة : «كان حبل الوصال بيننا متصلا فنيا وإنسانيا أيضا، مثلا فوجئت ذات يوم ببليغ يرسل لي من منفاه في لندن، كان يتنقل بين باريس ولندن، أغنية مهداة إلى حفيدتي دلال تقول:

سنة سنة حلوة يا دلال

يا بنت بنت الغالية

وبنت بنتي وداد
**
**شادية وحليم أعزّ الناس


لا يأتينا البحر بالريح والمراكب فحسب، ولا تحررنا أمواجه من أحزاننا ومجمل قيودنا فحسب، ولكنه دوماً يثير في داخلنا كثيراً من الشجون والذكريات والألم أيضاً.

طوال الأيام التالية كان بليغ يبحث لنفسه عن مكان يستهلك فيه بعضاً من أيام الغربة اللاإرادية تقوده أقدامه الى البحر وكأنه أدمن النظر الى الموج الآتي من «الضفة الأخرى» حيث «الوطن»، ثم يعود الى المدن الصاخبة التي يحيا فيها وحيداً.

كان شارداً تهاجمه الهموم بعنف، كموج البحر في قمة ثورته، مثل سلك كهرباء عار وقابل للاشتعال في أي لحظة.

المؤكد أن ثمة بركاناً تفجّر بداخله، وكالعادة لم يكن مهيأ للتعامل معه، لم يتوقف عند الأسباب كثيراً فلا يجدي البحث فيها، أركنها «للتداعي»، بحر، موج، مطر، وحزن تجدده الأيام بدأب، المحصلة وحيدة في مواجهة مجهول لا يعي تفاصيله بدقة.

عن تلك اللحظات حكى بليغ قائلاً: «مستعد أقف أمام «سبع» وأنا متماسك، لكن عندما أبقى لوحدي ينزف جرحي دمعاً، فأتألم وأبكي».

استخرج من جيبه «ورقة وقلم» رفيقا رحلته في الحياة عموماً وليست هذه الرحلة فحسب، فلقد كان دوماً جاهزاً لتسجيل أي خاطر موسيقي يلحّ عليه.

إلا أن الموسيقى لم تكن الدافع هذه المرة، كان الهم هو بطل المشهد، اللجام في يده قارصاً بما لا يطاق، ومن ثم اشتاق للحظة خلاص تتحرر فيها روحه، يرتاح فيها جسده المنهك، يتنفس، يتحاور مع آخر فربما ينجح في وقف زحف نباتات الوحشة التي تكاثرت بداخله.

راح يرصد ملامح عالم لا توجد فيه بدائل، يحكي عن أولئك الذين تبجحوا من دون خجل، آلام المرض الذي هاجمه هو الآخر بعنف وكأنه كان يتحين الفرصة للانتقام.

والله يا زمن لا بأيدينا زرعنا الشوك

ولا روينا

والله يا زمن مكتوب علينا

ومين عارف مصيره فين

فجأة اكتشف بليغ أنه لم يعد يكتب مجرد خواطر يلجأ إليها كلّما أحكمت الحياة إغلاق نوافذها في وجهه، ولكنه تيقّن أنه يكتب رسالة الى مصر، الى صوتها المعبر... شادية.

يقول بليغ في خطابه:

« لندن في 2/12/1988

الغالية الفنانة الحبيبة لكل إنسان في بلدي مصر... شادية

أكتب لك من وحدتي القاتلة، من غربتي النفسية العميقة، من مرضي الذي يهاجمني في كل لحظة، الكبد، الأعصاب، المرارة وهي الشيء الجديد الذي جد عليَّ وأحمد الله وأشكره على الجرح كما على الفرح.

شوشو أتابعك رغم هذا البعد، وكم كنت أتمنى رغم المرض أن أنتهي من لحن كلمات صغتها بدمعي لبلادي وقد سميتها لحظتها «هدية من مغترب» تصوري أنه ينتابني أنا أخيراً الإحساس بأني مغترب.

أختي الغالية

عندما اختلف الأطباء هنا في الرأي على مشكلة المرارة، فبعضهم يصر على أن العملية الجراحية ضرورية والآخر يعترض قررت العودة فوراً إلى مصر بمجرد تسلمي «الأشعات» الأخيرة مهما كلفني الأمر، فالموت في بلادي أهون من أي غربة.

وأتمنى أن توافق مصر على إكمال علاجي في أي مستشفى على ترابها وإجراء العملية فيها، وهذا ما سأرسله في برقية.

أنا مستعد لأن أواجه قدري بإيمان بالله ورحمته الواسعة.

أخوكي

بليغ حمدي»

المؤكد أن شادية لم تكن بالنسبة الى بليغ مجرد فنانة جمعه بها القدر منذ سنوات الطفولة والصبا كما حكت في حوار لها مع الكاتبة الصحافية حسن شاه.

تقول: «أنا وبليغ نعرف بعضنا منذ كنا أطفالاً نسكن الحي نفسه، كنا نسمعه أنا وصديقاتي وهو يعزف على العود، كنا «نعاكسه» أثناء عزفه فيطردنا بعيداً».

وكذلك ليست «مجرد فنانة» نجحت في نقل نغماته بإحساس وصدق الى وجداننا، ولكنها كانت إنسانة وفنانة وصديقة لها مكانة خاصة جداً في حياته، هي «صوت مصر» كما كان يراها ويصفها دوماً، أما الصداقة والزمالة فظلت تربطهما حتى آخر لحظة في عمره، ما يفسّر لماذا كان يلجأ إليها دوماً ليخفِّف من همومه، ولماذا شجعته بل وساعدته أيضاً على السفر من مصر في أعقاب أزمته الشهيرة، وقبل أن يصدر ضدّه قرار الاتهام وفقاً لما تردّد حينذاك.

أدركت شادية أن بليغ لن يتحمل نفسياً «اغتياله إعلامياً» خصوصاً مع تصاعد حدة الهجوم عليه، فشجعته على السفر بوصفه الحل السحري الذي كان يلجأ إليه دوماً كلما حاصرته المشاكل وأربكه الغم، وبذلك يمكنه أيضاً مراجعة الأطباء لمعرفة آخر تطورات مرضه. وعلى رغم أن شادية لم تؤكد كما لم تنفِ هذا الدور وحرصت كعادتها على التزام الصمت، إلا أن ما تردد في الكواليس حينذاك يؤكد أنها لم تكن فحسب صاحبة الفكرة ولكنها بادرت أيضاً الى إتمام الإجراءات، إذ طلبت العون من الفنانة فايدة كامل، عضو مجلس الشعب وزوجة وزير الداخلية الأسبق الراحل النبوي إسماعيل والذي ساعدها على رغم أنه كان خارج السلطة في تلك الأثناء.

غير أن خطاب بليغ والذي أرسله الى شادية وأشرنا إليه سلفاً كان يتضمن فقرة تسقط عن شادية هذا الاتهام، حيث قال:

«أختي الغالية

لست ممن يهربون من مواجهة المصاعب وأنت تعلمين ذلك عن أخوكي الصعيدي، لذا عندما اختلف الأطباء هنا في الرأي على مشكلة المرارة...»

هكذا ووفقاً لاعترافه لم يهرب بليغ ولم يساعده أحد على ذلك، وفي حوار الى مجلة «آخر ساعة» يقول:

«أنا لم أهرب من مصر قبل صدور الحكم في القضية، بل كنت مرتبطاً بموعد في مستشفى «سازازان» وهو أكبر مستشفى متخصص في علاج أمراض الكبد بالعاصمة الفرنسية، وذلك لأخذ عيّنة من الكبد، ولم يكن يخطر ببالي أنني سأدان بعد سفري».

وكان يُعرف عن بليغ حبه للسفر، وثمة بالفعل أكثر من واقعة تدل على هذا العشق ربما أبرزها واقعة تخليه عن «البروفة» مع كوكب الشرق بسبب سفره الى بيروت، تلك الواقعه التي كادت تتسبب في إنهاء علاقتهما الى الأبد.

يقول بليغ: «أنا بموت في السفر، تيجي لحظة أحس فيها بأنني يجب أن أختفي، جواز سفري موجود على الدوام في سيارتي، كانت معي دائماً تأشيرة خروج لمدة ستة شهور، ما إن تنتهي حتى أحصل على غيرها».

خلاص مسافر

مسافر مسافر

صحيت في يوم من الأيام

حسيت أني يا عيني غريب

حسيت بغدر الصحاب

أنا اللي ياما غنيت على الليالي

في الفرح موال وفي الجرح موال والصبر موال

أصبح على دي الحال

غريب

غريب ولا حد جنبي قريب

قلت أسافر... مسافر

«تطربني الموسيقى وقدرتها السحرية على أخذي من هنا إلى أماكن وأزمنة أخرى...»، كان يتمتم بهذه الكلمات فيما يتابع عازف كمان تصدّر بنغماته العذبة ميدان الطرف الأغر (ترافالغار) الشهير في لندن.

أدخلته الموسيقى في حالة من الشجن ساعد على دعمها مشهد الحمام المنتشر من حوله ومداعباته للبشر، أضيف له الطقس الذي كان دافئاً على غير العادة.

تنهّد بليغ حينما تذكر زياراته المتكررة الى لندن والى هذا المكان تحديداً بصحبة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ رفيق مشوار الفرح والألم، تذكر أول لقاء جمعهما عام 1957 وكيف نجح العندليب في «اقتناص» أغنية «تخونوه» على رغم أنها كانت معدّة أصلاً للفنانة ليلى مراد لتطل بها على جمهورها الذي غابت عنه سنوات طويلة اختياراً لا قهراً.

ابتسم بليغ وهو يتذكر كيف تجرأ العندليب واتصل بليلى مراد يرجوها بأن تتنازل له عن اللحن، وتذكرأيضاً كيف خرج غاضباً، خانقاً لضياع فرصة عمره في أن تغني ليلى مراد مطربته المفضّلة أحد ألحانه، تلك الموهبة التي لم ولن تتكرر مرة أخرى كما كان يؤكد دوماً.

بليغ وحليم حالة شديدة الخصوصية على خريطة الغناء، تجربة ثرية ومتنوعة كانت وستظل تدعوناً الى البحث والتأمل، لم تجمعهما الألحان فحسب ولكنهما اقتسما معاً الأيام بكل ما فيها من فرح، حزن، وغضب...

في حواره مع الإعلامي وجدي الحكيم يحكي بليغ عن صديقهما المشترك قائلاً: «على رغم صداقتي المبكرة لعبد الحليم، وعلى رغم أننا كنا نسهر كل ليلة تقريباً في معهد الموسيقى، إلا أن التعاون بيننا بدأ متأخراً بعض الشيء».

ويواصل قائلاً: «علاقتي بحليم علاقة خاصة جداً، كنت أخاه وصاحبه، نسافر سوا وننام سوا، حليم هو الصوت الذكي، كان لديه وعي كامل فكرياً وأدبياً، لأنه تربى على أيدي ناس عظماء».

على طول الحياة نقابل ناس

ونعرف ناس ونرتاح ويا ناس عن ناس

وبيدور الزمن بينا يغير لون ليالينا

وبنتوه بين الزحام والناس ويمكن ننسى كل الناس

ولا ننسى حبايبنا أعز الناس حبايبنا أعز الناس حبايبنا

بليغ شارك حليم أيضاً تجربته السينمائية، وعبر 16 فيلماً قدّم له أنجح الأغنيات فيها منها «تخونوه» في فيلم «الوسادة الخالية»، «خسارة خسارة» في «فتى أحلامي»، «خايف مرة أحب» في فيلم «يوم من عمري» ،»جانا الهوى» و «الهوا هوايا» من فيلم «أبي فوق الشجرة» وغيرها.

أما على مستوى الأغاني الوطنية فقدّم له أحد أجمل الأغنيات «موال النهار» والتي قدّماها عام 1967 أي في أعقاب الهزيمة العسكرية، وكانت من إبداع عبد الرحمن الأبنودي الذي كتب لهما أيضاً في العام نفسه أغنية «المسيح»، والتي غناها حليم على مسرح «ألبرت هول» أكبر مسارح لندن.

وبعيداً عن الأبنودي كانت لبليغ وحليم تجارب أخرى متميزة مع الأغنيات الوطنية مثل»البندقية اتكلمت» لمحسن الخياط، قدماها عام 1968 أثناء حرب الاستنزاف، وأغنية «عاش اللي قال» وكانت مع حرب التحرير في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973.

الـــــهـــــــوى هـــــوايـــــا

واخــطـــف نـــجــم الليـالـي

يضوي يا أحلى الصبايــــــــا

ابـنيــلـــك قصــر عـــالــــي

واشغـــلك عقــد غــالــــــي

أنا الـــــهـــــوى هـــوايــــا

يبقى القمر قاريبنـــــــــــــــا

والنسمه اللي تاخذنـــــــــــا

الـــــهـــــــوى هـــــوايـــــا

ندخل كتب الحكـــــــــــاوي

واعمل طبيب مـــــــــداوي

أنا الـــــهـــــوى هـــوايــــا

بصمة أخرى من البصمات «البليغية في مشوار العندليب يمكن تلمّسها في الأغنيات التي وصفها البعض بالشعبية، فيما أسماها بليغ الباحثة في التراث، وبغض النظر عن المسمى فإنها كانت أشبه بطوق النجاة الذي ألقاه بليغ لحليم كي يحرر حنجرته من الحصار في نوعيات محددة من أغنيات السهد وعذاب المحب وغيرها من تراث «النواح والبكائيات» في رصد مشاعر المحب، تلك التي أدار لها بليغ ظهره تماماً، فما لا يتوافق مع وعيه ورؤيته الخاصة كإنسان لا يمكنه التعامل معه كفنان بدليل رفضه تلحين أغنية كوكب الشرق «حسيبك للزمن»، بسبب «الزمن حيدوقك في البعد ناري... الزمن هو اللي حيخلص لي تاري»، متسائلاً: «كيف أقول لحبيبي هذا الكلام».

المؤكد أن أغنيات «سواح»، «توبة»، «مداح القمر» ومجموعة أغنيات الهوا (الهوا هوايا، زي الهوا، جانا الهوا) بقدر ما منحت حليم ميلاداً مختلفاً فإنها وللأسف قضت على تجربة أخرى رائدة مع الشعبيات صاغها أيضاً الثنائي عبد الرحمن الأبنودي وبليغ بصوت محمد رشدي، والذي كان دوماً يردد ويؤكد أن حليم «وأد» تجربته مع الشعبيات على رغم كل ما حققه فيها من نجاح عندما تمكّن بذكاء من الاستيلاء على بليغ، وهو ما نفاه الأبنودي قائلاً: «لم يكن كل ما أكتبه يصلح لصوت محمد رشدي، فمثلاً لا يستطيع عبد الحليم أداء أغنية مثل «عدوية» التي قدمها رشدي بنجاح، كما أن الأخير لا يمكنه أيضاً غناء أغنية «أحضان الحبايب»، كذلك الأغنيات الوطنية التي قدمت بعد الهزيمة العسكرية في 67 ما كانت تصلح لرشدي ولا قنديل، ولا محرم فؤاد، وكلها أصوات جميلة، ولكنها لا تصلح لهذه الأغنيات، بل أعتقد أنه لو لم يكن ثمة عبد الحليم ما كانت هذه الأغنيات أصلاً، وهذا ما لم يفهمه رشدي، كما لم يفهمه الذين راحوا يرددون مثل هذه المقولات من أننا «بعنا» تجربتنا مع رشدي على رغم نجاحها الكبير، أو «ضحينا بها» لحساب عبد الحليم حافظ».

أما بليغ فقال: «لا مجال للمقارنة بين حليم ورشدي، والذي كان مغنياً عظيماً جداً، يحكي لك تاريخ مصر بالغناء، ومن خلاله عملت الألحان الشعبية بحب شديد، لأنها جوايا في دمي، وحكينا فيها «حواديت» أنا وهو والأبنودي والناس صدقتنا، أما عبد الحليم فحاجة تانية، الأغنية الشعبية معه لها طعم تاني مختلف، يعني مثلاً «أنا كل ما أقول التوبة» تختلف عن «ميتا أشوفك» مع أنهما لون شعبي، ولكن رشدي لون وحليم لون مختلف ولا يصح أبداً المقارنة بينهما».

أي دمـعة حــــــــــزن لا لا لا

أي جرح في قــلـــــــــب لا لا لا

أي لحظة حيــــــــــرة لا لا لا

حتى نارالــغـيـــــــــــــرة لا لالا

قلبي دق دق قـلـت مـيـن علـــى الببــــــــان دق

قال لي افتح داالزمان

قلت لـه جاي ليـه يـا زمـان بعد إيـــه يـا زمان

المؤكد أن حليم نجح بذكاء في سحب بساط النجاح من تحت أقدام رشدي، ودخل دائرة جديدة، أفق آخر أكثر رحابة من الأغنيات، ليس فحسب لأنه يملك ذكاء الموهبة، بل روح المغامرة أيضاً، تلك التي افتقدها طابور طويل من المطربين والمطربات فضلوا دوماً اللعب في المضمون.

أما بليغ فبالإضافة الى روح المغامرة والرغبة في تقديم كل ما هو جديد اللذين تمتع بهما، كان كسر المألوف والمتداول من أهم أسباب تميزه وما حققه من نجاح، لم تكن لديه قوالب جاهزة ثابتة يتحرك من خلالها بل رغبة التحدي الى تقديم الجديد، فمثلاً في أغنية «أي دمعة حزن لا» تحدّى من يقولون إن «الربع تون» مقصوراً فحسب على التعبير المسرحي، فقدم أغنيته من مقام «السيكا» ليبيّن لهم أنه مقام يصلح أيضاً للتعبير المسرحي.

يقول بليغ: «وقتها كانت ابتدت ناس تكتب في المزيكا وهي مش فاهمه حاجة، يعني واحد يقولك إن «الربع تون» مقصور على التعبير المسرحي، فأردت أن أثبت جهلهم من خلال هذه الأغنية، يعني حليم وهو بيقول «أي دمعة حزن لا» كان كأنه بيؤدي مسرحية، موقف فيها، أنا اعتبرتها كده وقت ما بديت ألحنها وقدمتها للناس بالصورة المسرحية دي، وأكثر واحد أحس بما قصدته من هذه الأغنية هو المرحوم عبد الحليم نويرة الذي كلمني وقال لي:

- بليغ.. إيه اللي أنت عامله في الأغنية دي، أنت عاوز تقول إيه؟

- عايز أقول مسرح.

- آه أنا حسيت بكده!».

يواصل بليغ قائلاً: «كنا ناويين أنا وحليم نكرر التجربة دي لكن القدر كان أقوى مننا.

ما لا يعرفه البعض أن الفنانة وردة وكانت زوجة بليغ في هذه الفترة أعجبت جداً بالأغنية وكانت تتمنى أن تقدمها، ولكن بليغ رفض، ما ينفي تماماً أنه كان يلبي دوماً كل ما تطلبه، يضاف الى ذلك أنه نجح في تقديم إبداعات أخرى خارج حنجرتها».

ولكن هذه الواقعة لم تُسكت ما تردّد من شائعات كانت متداولة في تلك الأثناء من أن وردة كانت وراء فترة الخصام الطويلة بين بليغ وحليم والتي وصفها الأخير «بالإرهاب الفني»، على الرغم من أن بليغ رفض الزج بوردة كسبب لما حدث بينهما قائلاً: «الله يجازي اللي كان السبب، الذين أوقعوا بيننا ليضعوا حداً للتعاون المثمر بين ألحاني وحنجرته».

وفي حواره مع صديقهما المشترك وجدي الحكيم قال بليغ: «علاقتي بحليم لم تكن كلها صفاء، يعني مش ممكن عشرين سنة تمر هكذا دون زعل وخناق، ياما اتخانقنا وياما زعلنا، لكن نرجع ناخد بعض بالأـحضان ونضحك، ياما اختلفنا في حاجات، وياما تركت له الدنيا وسافرت، وياما قعد يلف ورايا في لندن وباريس، لكن في الآخر كنا نواجه بعض بشجاعة ونتصافى لأن علاقتنا كانت صادقة جدا».

موعود معايا بالعذاب موعود يا قلبي

موعود ودايما بالجراح موعود يا قلبي

ولا بتهدا ولا بترتاح في يوم يا قلبي

وعمرك ما شفت معايا فرح

كل مرة ترجع المشوار بجرح

غابت الشمس فغادر بليغ الميدان عائداً الى البيت، بينما حليم ما زال حاضراً في المشهد يملأ خياله وذاكرته حتى شعر أنه يرى وجهه في كل الوجوه التي يتطلع إليها في ذلك المساء اللندني الكئيب...
عاشقة شادية
عاشقة شادية
مشرفة
مشرفة
رقم العضوية : 55
عدد الرسائل : 821
الدلو انثى الثور
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

 بليغ حمدي الطير المسافر... Empty رد: بليغ حمدي الطير المسافر...

الأربعاء 06 أكتوبر 2010, 22:31
سواح وماشي في البلاد


كانت السفينة الكبيرة تشقّ البحر الواسع وهو على ظهرها يتابع باستمتاع ما يدور حوله من هرج ومرج، وفجأة تبرق السماء وترتعد، ينهمر المطر ويعلو الموج كالجبال، صيحات استغاثة، يشهق في رعب ثم يفيق من نومه.

لأيام تالية ظل هذا الحلم/ الكابوس يتكرر: رعد، برق، موج و... التفاصيل نفسها، تساءل بليغ هل لساعات النهار الطويلة التي أدمن فيها الجلوس أمام البحر يراقب الرذاذ المتطاير من ارتطام الموج بالصخور المحيطة، ثم انحسارها، ورائحة البحر التي تختلط في أنفه بدخان سجائره، دور في صياغة المشهد الكابوس؟!

لم يحدث ما يزيد وحشة الأيام، كذلك لم يكن يسرف في تناول العشاء ولا الطعام عموماً، قليل فحسب مما يسمح بمواصلة الحياة، فحرص أياماً تالية على أخذ حمام دافئ قبل أن يخلد الى النوم، ومع ذلك تكرر الكابوس، زاد أرقه وانقبض قلبه وبات يجثم على صدره.

يراجع الطبيب فيؤكد له أنه أفضل مما يظن، لا يصدقه ويتشكك في ما يقول، يحاول استرجاع لحظات متوهجة مرت في شريط الحياة ويقنع نفسه بأن فيها الكثير مما يستحق أن يعيش له، يقرر أن الدنيا على رغم كل شيء كانت كريمة معه، و... لا جدوى.

إنه الرحيل إذن... العلاج السحري الذي يلجأ إليه دوماً كلما اشتاق الى لحظة سكينة يرتاح معها جسده المنهك وروحه المعذبة.

يتمتم :»لندن امرأة كئيبة تجثم على الصدر بغيومها وأمطارها، أما باريس فبهيجة متأنّقة تسحرك بعطرها وجمالها وتحضُّرها».

على حسب الريح ما يودي الريح ما يودي

وياه أنا ماشي ماشي... ماشي ولا بيدي

معر فش إن كنت مروح... ولا أمتى الهوى ها يهدي

وأهي دنيا بتلعب بينا... يمكن ترجع غناوينا

وسط الأغنيات الكثيرة التي قدمها بليغ وتجاوزت 1500 أغنية منوعة، احتلت أغنيات السفر مساحة خاصة جداً على خريطة إبداعه، سواء التي تدور حول الفكرة ذاتها بشكل مباشر أو تلك التي تحوم حولها، ثمة دوماً رحيل ما، فراق وغربة، دموع ووداع وكثير من الاشتياق، العودة «لأحضان الحبايب» ثم رحيل آخر وهكذا...

بالتأكيد لا يمكن اعتبار تلك الاختيارات من قبيل الصدفة، فبليغ لم يكن مجرد ملحن تتحرك أوتاره من دون إرادة، بتعبير أدق لا تُفرض عليه اختيارات، وثمة فعلاً أكثر من واقعة تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنه لا يلحّن إلا ما يتوافق مع فكره ووعيه، أحاسيسه ومشاعره وما دون ذلك لا يمكنه التعامل معه، ربما أبرزها رفضه تلحين أغنية «حسيبك للزمن» التي عرضتها عليه كوكب الشرق أم كلثوم، وذهبت في ما بعد الى السنباطي فأبدع صياغتها، وكانت حجّته رفضه للمعنى العام الذي تطرحه الأغنية.

وهكذا تسقط الصدفة ويبقى الاختيار الحر المسؤول والمتوافق مع طبيعته، فبليغ نفسه كان «حالة سفر» ما إن يلبث يفتح حقائبه حتى يغلقها ليرحل.

يقول: «أنا أموت في السفر، تيجي لحظة أحس فيها إنني يجب أن اختفي، جواز سفري موجود وجاهز دائماً، ثمة تأشيرة خروج جاهزة لمدة ستة شهور ما إن تنتهي حتى أحصل على غيرها».

ولكن لماذا كان مشدوداً الى الرحيل دائماً، هل السر يكمن في طبيعة الفنان القلقة الباحثة دوماً عن كل جديد؟

بالتأكيد بليغ حالة شديدة الخصوصية، متمرد وراغب دوماً في كسر الملل والسائد من حوله، تحرِّكه رغبة البحث عن الجديد، يفتّش في الوجوه من حوله فيستوحي منها مفردة مختلفة ومتميزة يستقيم معها النص، نغمة حائرة تستقر بأمان على أوتاره، باحث دائم عن «الشوق» في العيون و...

والنبي وحشتنا وحشتنا وحشتنا

في غيابك عننا وحشتنا وحشتنا

ده احنا من غيرك ولا حاجة

وناقصنا كام مليون حاجة

من يوم ما فارقتنا

ودموع على خدنا

المؤكد أن في السفر سبع فوائد كما يقولون، لكنه مع بليغ ربما تجاوز هذا الرقم والمعنى أيضاً.

- آلو يا عبد الرحمن (الأبنودي) شوف يا حياتي تسعة ونص بالضبط حاكون عندك... هيثم (ابن شقيقه حازم) أهو جنبي حيوصلني.

الساعة التاسعة والربع يسأل هيثم:

- جاهز.

- أيوه جاهز

- طيب يا لله بينا على إسكندرية.

- إسكندرية إيه يا والناس اللي منتظرينك؟

- معلش... حاكلمهم من هناك، مالكش دعوة أنت.

هذا المشهد يتكرر كثيراً، ليس فحسب للإسكندرية معشوقته، ولكن لأي مكان «يناديه»، ولا يعني هذا أنه كائن «فوضوي» لا يلتزم بمواعيده أو التزاماته، ولكنه شخص يمد خط الإحساس لمنتهاه كما يؤكد جميع أصدقائه ومعارفه ومن ارتبط بهم في حياته، الملل كلمة ملغاة تماماً من قاموسه، طوق لا يمكن تطويقه، لذا كان الرحيل دوماً هو العلاج الذي يساعده على التعايش ومن ثم التجدّد.

سواح وأنا ماشي ليالي سواح

ولا داري بحالي سواح

من الفرقة يا غالي سواح

إيه اللي جرى لي سواح

لا أنا عارف أرتاح

وأنا تايه سواح

كان بليغ فعلاً «سواح» في بحر الحياة والنغم، الدنيا «زي المواني» كما يراها و»كله في المواني يابا وآه على المواني»، ما يفسّر لماذا تعددت علاقاته وسفرياته وأغنياته التي جاءت ترجمة حقيقية لهذه الحالة، فمثلاً غنت له نجاة الكم الأكبر من هذه الأغنيات المعبّرة عن لحظات السفر والشوق للمحب أو الحزن على فراقه ربما أميزها أو أكثرها شهرة «الطير المسافر» و»ليلة من ليالي فاتونا» التي قال عنها بليغ إنها من أحب ألحانه على نفسه، غنت له نجاة أيضاً «السفر»، «في السفر بشوفك، و»في وسط الطريق وحدينا»، و»النبي خلينا نشوفك» و»حتسافر وتسيبني».

أما شادية فغنت له أشهر أغنياته للسفر مثل «خلاص مسافر» و»قولوا لعين الشمس»، «والنبي وحشتنا»، «ناوين خلاص على السفر»، و»خدني معاك ياللي انت مسافر»، وبصوت العندليب كانت «سواح»، «ماشي ماشي من كام سنة»، وبصوت الحجار كانت «طب قولنا لما أنت ناوي على السفر» و»على سفر»، وغنت له وردة «بلاش تفارق»، ورشدي غنى له «تغريبة»، «في انتظارك»، «ميتى أشوفك يا غايب عن عيني»، وعفاف راضي غَنَّت «المواني»، «تساهيل» و{الغربة» وأغنيات أخرى كثيرة تؤكد بلا شك أنه كان عاشقاً للترحال والسفر.

حتى التلحين بالنسبة إليه كان «حالة سفر» يبحر فيها بين القوالب الموسيقية المختلفة يستقي من هنا وهناك، يتعرف على إيقاعات مختلفة فيضمنها ألحانه ليصيغ في النهاية لحناً يحمل روحه المجدِّدة المحطِّمة لكل القوالب والكليشيهات المعتادة.

وحاسب وانت ماشي

وهدي خطوتك

لتدوس وانت ماشي

على قلوب حبتك

راحت من زمان

غدر بيها الزمان

الزمان الزمان

أتاح السفر لبليغ الفرصة لأن تربطه الصداقة بعدد من الرؤساء والملوك وعلى رغم هذا حرص دوماً على ألا يستثمرهذه العلاقات، بتوصيف أدق لا يموت على أعتابها، فمثلاً في أزمته الأخيرة وبعد صدور الاتهام المشين ضده تلقى بليغ دعوة من الملك الحسن الثاني، ملك المغرب، بإرسال طائرة خاصة وجواز سفر ديبلوماسى مغربي، إلا أنه اعتذر عن عدم قبول هذا العرض كما يؤكد شقيقه د. مرسي سعد الدين، والذي ينفي أيضاً ما تردد حينها من أن الحسن طلب رسمياً تحويل ملف القضية الى القضاء المغربي نظراً الى أن المتوفاة كانت مغربية. وينفي الجميع بالطبع ما تردد آنذاك من أن تدخلاً مغربياً ساهم بطريقة أو أخرى في حصول بليغ في النهاية على البراءة وإغلاق ملف القضية.

ربطته صداقة أيضاً بالرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، وشارك مع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في الاحتفال بأحد أعياد ميلاده بأغنية أهديت له بصوت العندليب وكتبها محمد حمزة تقول:

من شعب مصر ومني أهدي الحبيب تحية

ومن مواويل لحني ضفت الأغاني الشجية

وعلى ذكر الرؤساء ربطته صداقة قوية بالرئيس الراحل أنور السادات بدأت كما يقول د. مرسي في فترة حكم عبد الناصر عندما كلّف السادات بالاتصال ببليغ، بعد أن لمع نجمه، لإنشاء مسرح غنائي مصري، ووُضعت، بأوامر من عبد الناصر، كل الإمكانات المادية والمعنوية تحت تصرّف بليغ لإنجاز هذا المشروع الضخم، وفعلاً بدأ في تنفيذ أحد أحلامه وقدم أكثر من مسرحية غنائية مثل «تمر حنة»، و{أم العروسة».

في المقابل، حين طلبت منه قرينة الرئيس آنذاك جيهان السادات أن يتبنى صوت ياسمين الخيام رفض مؤكداً للجميع أنه لا يلحّن بالأمر.

وكانت جيهان آنذاك تبحث عن أي صوت يمكنه أن يقلّص من نجومية سيدة الغناء العربي أم كلثوم التي كانت زوجة الرئيس تمقتها شخصياً.

غير أنه ووسط سفرياته المتعددة لبلاد الله، كانت للمغرب العربي خصوصية، قدر غريب ربطه بهذه البلاد وأهلها، فتزوج بليغ من وردة «الجزائرية»، وأصابته لعنة مليان «المغربية»، ومنها أيضاً أطلق موهبة سميرة سعيد، ومن قبلها عزيزة جلال (أشهر من جلست على كرسي الانتظار)، وقدم أيضاً ألحاناً لحنان وثريا ولكنهما لم تتمكنا من مواصلة المشوار كغيرهما من بنات المغرب.

كذلك كان لتونس وجود على خريطة اكتشافات بليغ، إذ جاءنا منها بلطيفة التونسية التي تحكي لنا عن تلك الأيام قائلة:

«في العام 1983حضرت الى القاهرة بصحبة والدتي وشقيقي وبعض الأصدقاء لقضاء عطلة الشتاء، بهدف الترويح عن والدتي التي انتابتها حالة حزن بعد رحيل رفيق حياتها، وتصادف أن أحد الأصدقاء في الرحلة كان تعرّف على متن الطائرة الى أحمد، نجل الموسيقار الكبير الراحل محمد عبد الوهاب، الذي طلب منه أن يتصل به فور وصوله للقاهرة، وبالفعل اتصل به ودعانا الى العشاء في منزله، وعلم أحمد بأنني أغني لأم كلثوم وليلى مراد وأسمهان، وبالصدفة كان الموسيقار بليغ حمدي يتصل بأحمد ليطمئن منه على صحة والده، فطلب منه أن يأتي فوراً لأنه وعلى حدّ وصفه وجد كنزاً لن يقدره إلا بليغ».

تواصل لطيفة: «خلال نصف ساعة حضر بليغ فعلاً وغنيت له
«افرح يا قلبي» و»ح قابلو بكره» وقبل أن أكمل الأغنية كان اتصل هاتفياً بالشاعر الغنائي الراحل عبد الوهاب محمد وطلب منه الحضور على وجه السرعة وسط ذهولي أنا والحاضرين، لأعاود الغناء مجدداً، وفي نهاية السهرة حاولا (بليغ وعبد الوهاب) إقناع عائلتي بضرورة انتقالي الى القاهرة. وبعد اجتيازي المرحلة الثانوية وعلى الرغم من صعوبة ظروفنا المادية في تلك الفترة إلا أن عائلتي بأكملها قررت التضحية لأجلي وبالفعل حضرت الى أم الدنيا مصر ومجدداً استقبلني بحفاوة الموسيقار الراحل الذي ساعدني في الالتحاق بالمعهد العالي للموسيقى العربية، خصوصاً أن لجنة اختبارات القبول كانت مشكَّلة من عمالقة الموسيقى والغناء في العالم العربي، إضافة إلى أن المنافسة كانت شديدة جداً، إذ كان ثمة 150 طالباً وطالبة من الأقطار العربية كلها ينتظرون دورهم للامتحان، بل إن معظمهم درس الموسيقى وحصل على شهادات فيها من معاهد كبيرة، لكني والحمد لله أُعجبت اللجنة بأدائي حتى أن د. رتيبة الحفني قالت لي حينها (أول مرة أسمع أسمهان بتغني لأم كلثوم) وعندما اتصلت ببليغ حمدي لأبشره قال لي «برافو يا لطيفة... ظني فيك لم يخب... أنا متأكد من نجاحك».

أنساك... دا كلام

أنساك... يا سلام

أهو دا اللي مش ممكن أبداً

ولا أفكر فيه أبدًا

دا مستحيل قلبي يميل ويحب يوم غيرك أبدًا

أهو دا اللي مش ممكن أبدًا

ما روته لطيفة لا يختلف كثيراً عما حكته سميرة سعيد، صحيح لم يكن أول من استقبل موهبتها حينما قررت أن تخطو أول خطوة في مشوارها الفني، ولكنه وبشهادتها كان أبرز من دعم وجودها في المحروسة. تقول سميرة: «كنت لفتّ الأنظار الى موهبتي والتي تحمس لها الملك الحسن، وعبر احتفالاته سمعتني أصوات عدة كانت تحرص على المشاركة في تلك الاحتفالات، في مقدمها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذي نصحني بعدم إرهاق صوتي في تلك المرحلة من العمر. غير أنني نجحت في إقناع عائلتي بضرورة السفر الى أم الدنيا والالتحاق بمعهد الموسيقى العربية، كذلك نجحت في التعرف على الموسيقار محمد سلطان الذي قدم لي أغنيتين وهما «الحب اللي أنا عايشاه» و «الدنيا كده»، ثم التقطني المايسترو بليغ حمدي الذي قرر أن يقدمني بشكل مختلف، فقدم لي ألبوم «أحلام الأميرة»، ثم ألبوم «بنلف» وهي من كلماته وألحانه، و»علمناه الحب» التي وضعتني على القمة لتتوالى الأعمال مع بليغ، مثل «آه يا هوى»، « أسمر ملك عمري»، «أنا أجرحك»، «جوه البيوت» و»حكاية» وغيرها من الأغاني التي نجحت عبرها في أن أضع أقدامي بثبات على خريطة الغناء».

وتعدّ سميرة سعيد أكثر فنانة غنّت من كلمات بليغ حمدي.

علمناه الحب على أيدينا

ولما اتعلم بص لغيرنا وحب علينا

يا سلام سلم

علمناه واحنا بنهواه

بس ياريتنا ما علمناه

كنا زماننا لا بنتندم ولا نتألم

علمناه وأمرنا لله

المؤكد أن بليغ كان دائم البحث عن الأصوات الجديدة، يتحمس لها ويظل يدعمها حتى يصل بها الى القمة، فمن المشرق العربي كانت له بصمته المميزة على سمية القيصر وميادة الحناوي التي لحّن لها ألحاناً كثيرة صنعت نجوميتها لعل من أشهرها «الحب اللي كان» والتي كتبها بليغ ليعبّر من خلالها عن حياته «اللي كانت» مع وردة بعد انفصالهما، و»أنا بعشقك» رسالته الأخرى لوردته، وأغنيات أخرى كثيرة كانت وستظل هي الأشهر في رصيد ميادة، ما دفعها الى الرد بعفوية عندما سُئلت أخيراً في أحد البرامج التلفزيونية عن الملحن الذي تريد التعامل معه فقالت: «أتمنى العمل مع بليغ حمدي الذي أفتقده بشدة وما زلت أحتفظ بعوده الخاص الذي أهداه لي قبل وفاته».

أنا باعشقك أنا‏‏ أنا كلي ليك أنا

عمري ليك أنا‏‏ يا من ملك روحي بهواه

الأمر لك طول الحياة‏ الماضي لك

وبكره لك‏ وبعده لك‏

وباسألك

بتحبني ولا الهوى عمره ما زارك

بتحبني ولا انكتب ع القلب نارك

أنا باعشق الكلمة اللي بتقولها‏. وباعشق ضحكتك

أنا باعشق الليل اللي في عيونك وباعشق رقتك

أنا باعشق الأرض اللي عدت فيها يوم خطوتك

تميّز بليغ بقدرته على وضع أي صوت يلحن له في الإطار الموسيقي الصحيح، وبما يبرز إمكاناته الصوتية وشخصيته الفنية على النحو السليم، ما يفسّر لماذا عاشت أغنياته في وجداننا ولماذا أيضاً، وهو الأهم، كانت هذه الأغنيات بمثابة العلامة الفارقة في مشوارهم الفني... نقطة الضوء التي تربطهم بالجماهير.

**أم كلثوم وأنا... إنت فين والحب فين

واقع أم خيال؟ أرقه السؤال لأيام عدة، لم يفهم هل كان حقاً يشتاق الى صوتها الى حدّ يرن في أذنه في اللحظة نفسها، فيبدو كأنه يسمعها فعلاً؟ أم أنه فحسب الاشتياق الى زمن ولّى ولم يعد موجوداً إلا في أفلام الأبيض والأسود.

لعله الحنين الى إبداعات ملأت الدنيا ذات يوم بعدما بات النغم عصياً، ارتاح لهذا الاعتقاد وقرر أن يغلق كتب الألغاز التي حاصرته فجأة، انطلق مع صوتها كحمامة في الفضاء الرحب متجاوزاً الزمن، تجمد باللحظة وأغلقها على «حسها» وملأ بأغنياتها فراغات الحياة، استعاد عبرها لحظات توهّج لم تعد متداولة على أرض الواقع.

تنهّد بأسى: «من منا لا يتمنى حباً ينسيه آلاف الأحزان؟».

يا دنيا حبي وحبي وحبي ده العمر هو الحب وبس

واسقيني واملأ واسقيني تاني

من الحب

منك

من نور زماني

اسقيني ياللي من يوم ما شفتك

حسيت كإني اتخلقت تاني

حسيت كإني اتخلقت تاني

أم كلثوم كما يراها بليغ ليست مجرد صوت شجي «أطربنا» ولكنها رسمت بحنجرتها ملامح أيامنا، أفراحنا وأحزاننا. هي ذكرياتنا المطمورة في أصداف البحر، قصيدة شعر لم تكتب بعد، قصص الحب التي عشناها والتي لم نعشها، نسمة ندية في صيف شديد الحرارة، ولحظة دفء في ليل آخر شتوي الأجواء.

أمامها نحترف الإصغاء، تسقط أمام عرشها مجمل الحدود والفواصل. أنا عربي فحسب.

هي «طعم البيوت ولمة العيلة» في الخميس الأول من كل شهر، وتفاصيل أخرى كثيرة لم تعد حاضرة إلا في وجدان البعض وذاكرته.

يقول بليغ: «أم كلثوم هي هرم الفن الشامخ عبرها عرفني العالم العربي كله، للفن لديها قدسية شديدة الخصوصية، اهتمامها بفنها يفوق اهتمام أي مطربة أخرى بخمسين مرة، ولو أن كل مطربة جديدة فهمت ذلك وأعطت فنها ربع الاهتمام الذي كانت أم كلثوم تمنحه لفنها فسيكون لدينا ما لا يقل عن عشر مطربات جديرات بالاستماع إليهن».

انت ما بينك وبين الحب دنيا

دنيا ما تطولها ولا حتى بخيالك

أما نفس الحب عندي حاجة تانية

حاجة أغلى من حياتي ومن جمالك

انت فين والحب فين

ظالمه ليه دايما معاك

ده انت لو حبيت يومين

كان هواك خلاك ملاك

ليه بتتجنى كده على الحب ليه

انت عارف قبله معنى الحب إيه

لا مجال لصناعة الحلم، النجاح الوحيد هو أن تضبط إيقاعك وتحرص على ألا «تضغط على بنزين أعصابك فتحترق» أو «تنتشي بالسرعة فتصطدم». «نصيحة، لا تداعب الحلم، فتلك رفاهية ليست متاحة لك الآن».

ابتسم بليغ وهو يتذكر تلك «النصيحة» التي مررها له البعض من «أساطين التلحين» في الجلسة التي جمعته بهم في أوائل الستينيات من القرن الماضي، حين مدّ خط الأحلام لمنتهاه وأعرب عن رغبته في أن تغني له «الست» يوما ما، تذكر كيف نصحوه بسخرية «ألا يعيش في الأحلام ولا يبيع واقعاً كي يشتري حلماً، ثم يكتشف أنه ليس إلا وهما وسرابا».

تذكّر بليغ كيف ظلت مرارة الجلسة عالقة بذاكرته لشهور طويلة ولولا إيمانه الراسخ بأنه لا أفق من دون حلم ورؤية ترصده وتجتازه، لما نجح في التوازن ومن ثم التجاوز.

كالعادة تعامل بليغ بنبل وشاعرية مع هزائمه النفسية والاجتماعية، فقد كان مؤمناً بأن الأحلام هي الشيء الوحيد المتبقي داخلنا مهما تحدثنا بواقعية، بسخرية، أو بمرارة من واقع الهزائم اليومية، صوت هامس في الخلفية كان يدعوه دوماً الى التمسك بالحلم.

«دوما نحتاج للإيمان بشيء ما». هكذا حسم جدله الداخلي آنذاك قبل أن يهديه القدر «الحلم» بالفعل.

يقول بليغ: «كل مرحلة في حياتي كانت مش مترتبة، القدر كان دايماً بيقول كلمته في كتير من المواقف، حتى لقائي الأول عام 1962 بالست أم كلثوم لم يكن إلا «بتصاريف القدر»، فأغنية «حب إيه» لحِّن مذهبها قبل أن ألتقي بها بأكثر من عامين، وكنا نضحك أنا ومؤلفها عبد الوهاب محمد ونحن نفكر حنعمل فيها إيه ومن سيغنيها، ثم نقرر أن نتركها للظروف».

ويحكي بليغ كيف كان لقاؤه بالحلم قائلاً: «في إحدى الأمسيات اصطحبني الفنان الراحل محمد فوزي والذي كانت تربطني به صداقة كبيرة الى سهرة في بيت د. زكي سويدان، أحد أمهر الأطباء في تلك الأثناء وكانت على رأس المدعوين السيدة أم كلثوم والتي كان يجمعه بها صداقة كبيرة، وفي الحفلة قدمني فوزي للست، مؤكداً لها أنها ستستمع لملحن «هايل» وطلب مني أن أغني لها من ألحاني، وبالفعل احتضنت عودي وبدأت في الغناء ولا أعرف حتى الآن لماذا ألهمني الله لأغني مذهب أغنية «حب إيه» على رغم أنه لم يكن ببالي حين ذهبت الى الحفلة».

يواصل بليغ: «بمجرد أن انتهيت من الغناء، حتى فوجئت بأم كلثوم تجلس على الأرض إلى جواري وسط ذهول الجميع، ثم طلبت مني أن أمرّ عليها في اليوم التالي، وعندما ذهبت إليها طلبت أن تسمع الأغنية كاملة واتصلتُ بمؤلفها عبد الوهاب محمد بناء على طلبها والذي بدوره لم يصدق نفسه حتى رآها تشدو بها على المسرح، حينها فحسب صدق أن الحلم تحول الى حقيقة.

وقابلتك انت لقيتك بتغير كل حياتي

ما أعرفش إزاي حبيتك

ما أعرفش إزاي يا حياتي

من همسة حب لقيتني باحب

لقيتني بحب وأدوب في الحب

وصبح وليل على بابه

المؤكد أن بليغ وأم كلثوم كلاهما كان ينتظر الآخر، كذلك أضاف أحدهما الى الآخر، فعبرها وسّع بليغ من دائرة انتشاره وجماهيريته، ووضع اسمه إلى جوار عمالقة سبقوه للتعامل مع الحنجرة الذهبية حتى أنه سبق موسيقار الأجيال في التعاون معها، إذ كان أصغر ملحن تتعامل معه «ثومة».

بدورها، كانت أم كلثوم بحاجة الى ميلاد جديد، لتوسيع دائرة التواصل مع نوعيات أخرى من الجمهور، بتعبير أدق كانت بحاجة الى تجديد شبابها، وهو ما تحقق فعلاً عبر ألحان بليغ، فهذه الأغنية وما تلاها من تعاون بينهما منحت كوكب الشرق حضوراً مختلفاً، إذ طرقت أبواب الشباب بالإيقاع الراقص أحياناً، المثير للشجن دائماً. كذلك كان بليغ صاحب الفضل في إدخال آلات حديثة على «تخت» الست مثل «الساكس» و»الأكورديون» والإيقاعات، وفي إقناع كوكب الشرق باستخدام الكورال داخل دراما النص كما جاء في أغنيتها «حكم علينا الهوى»، ما أضاف الى أغانيها عموماً مذاقاً آخر كانت حتماً تحتاجه ولولا بليغ لم يكن سيتحقق، ما يؤكد أنهما كانا في انتظار الفرصة للقاء، ويشير هذا أيضاً الى عظمة هذه الموهبة القادرة دوماً على تطوير أدواتها، كانت قابلة للتطوير والتجديد بعكس غيرها من نجوم الغناء لذا تربعت دوماً على القمة.

يقول د. مرسي سعد الدين في حواره مع «المصري اليوم»: «أعتقد أن ألحان بليغ كانت نقطة مهمة في حياة أم كلثوم، لأن تلك الألحان غيّرت من جمهورها وجعلت من الشباب مستمعاً جديداً لها، بعد أن كان «سميعة» أم كلثوم من طبقة «أصحاب الطرابيش»، كما أن بليغ أضاف آلات موسيقية جديدة لتخت أم كلثوم مثل «الساكس فون» والأوركسترا الكبيرة، وكان ذلك بمثابة التحدي لها ولبليغ».

ما ذكره سعد أكده بليغ قائلاً: «لم تكن أم كلثوم متزمتة بل كانت تقبل الجديد الذي تشعر أنه سيضيف الى فنها، فمثلاً في أغنية «سيرة الحب» فكرت في الاستعانة بآلة «الأوكرديون» وأحضرت بالفعل فاروق سلامة وجعلته يحفظ «الصولو» الخاص باللحن في بيتي، وفي يوم البروفة اصطحبته معي من دون سابق إنذار، وعندما سألتني ما الذي أتى به للبروفة طلبت منها أن تستمع إليه فإذا لم يعجبها يذهب ونلغي «الصولو»، غير أنها عندما استمعت له أعجبها وأبقت عليه، كذلك أدخلت الكورال في مقاطع ليست قصيرة وفي سابقة لم تشهدها أغنيات الست سابقاً، يضاف إليها الإيقاعات المركبة والتي كانت جديدة تماماً على ما تقدمه الست وعلى رغم استغرابها منه في البداية، إلا أنها عادت وتقبلته في نهاية الأمر بل وأبدت سعادتها به».

إزاي إزاي أوصف لك يا حبيبي إزاي

قبل ما أحبك كنت إزاي

كنت ولا إمبارح فكراه

ولا عندي بكره أستناه

ولا حتى يومي عايشاه

خدتني بالحب في غمضة عين

وريتني حلاوة الأيام فين

الإبداع لا يحتاج الى شرح أو ترجمة، بل الى إحساس فحسب، حتى المبدع ذاته لا يمكنه التكهّن متى ولا كيف يتوهج إحساسه، المؤكد أنها لحظة خاصة جداً خارج الحسابات والمنطق وكذلك التفهّم.

يقول بليغ: «الإبداع ليس عملية حسابية دي «مزيكا»، مولاتي المزيكا لما ترضى عني تزورني وتعطيني من نعيمها، ولما تغضب عليك لازم تستناها. المزيكا هي اللي بتختار عبيدها، ويا بخته اللي تجعله من عبيدها المقربين».

كان بليغ من أشدّ المخلصين لـ{مولاته» الموسيقى، لذا منحته مفاتيحها وأسرارها، كانت جمله الموسيقية خاصة ومميزة، تحمل جزءاً من تمرده وجنونه أيضاً.

يتذكر بليغ كيف أقنع كوكب الشرق بأن تتلو كلمات رائعته «بعيد عنك حياتي عذاب» وذلك قبل الدخول الى اللحن، وهو ما لم تتحمس له الست في بداية الأمر، واحتدم النقاش بينهما على هذا النحو في سابقة كانت هي الأولى والأخيرة، حتى كاد الأمر يصل الى طريق مسدود، إذ رفضت ثومة قائلة: «إيه الجنان ده!»،

فيما ازداد تصميم بليغ فتصاعدت مجدداً حدة التوتر بينهما، ما دفعها الى استشارة كل من تثق برأيهم إلى أن وافقت في النهاية.

يتنهد بليغ قبل أن يتمتم: «كانت سيدة رائعة، للفن لديها قدسية خاصة، تعلمت منها الكثير وفي مقدّمه بالطبع «قدسية المواعيد».

يضحك بليغ وهو يتذكر كيف نجحت هذه الفنانة في ترويضه خصوصاً في ما يتعلق بالمواعيد والتي باتت معها شيئاً مقدساً، وذلك بعدما تجرأ يوما و»ضرب» موعد البروفة وسافر إلى لبنان من دون علمها، وهو ما لم يجرؤ أحد على فعله ممن تعاملت معهم كوكب الشرق، غير أن محاولاته المستميتة لإرضائها نجحت «بعد عذاب» ليعلن بليغ توبته الشهيرة ويواصل بعدها احترامه لمواعيده معها حتى آخر تعاون بينهما في «حكم علينا الهوى».

حكم علينا الهوى نعشق سوا يا عين
واحنا اللي قبل الهوى شوف كنت فين وأنا فين
وآه يا ليلي آه ع الوعد والمقسوم
يا ليل يا عيني آه ع الوعد والمقسوم
لا تحوشه لا ولا آه ما بين عيون وقلوب
حكم علينا الهوى نعشق سوا وندوب
صدق اللي قال الهوى فوق الجبين مكتوب
السعد وعد يا عين والاسم نظرة عين
وأنا وأنت روح مغرمة كان حظها من السما
واتجمعوا القلبين

بين بليغ وست الكل أبجدية خاصة حتماً كانت أبعد من مجرد صوت توافر فيه كل ما كان يبحث عنه كملحن، وهو أيضاً لم يكن بالنسبة إليها مجرد مبدع أضاف الى بريقها مزيداً من التوهّج. جمعهما بالتأكيد تواصل من نوع خاص، فبالإضافة إلى موهبته التي آمنت بها ودعمتها بل راهنت عليها، كانت ترى فيه الإبن الذي لم تنجبه، ما يفسر لماذا كانت تناديه دوما «يا بني» ولماذا أوصت بعدم استنزاف موهبته بما لا يجدي كما اعترف بذلك صديقه الإعلامي وجدي الحكيم، أو لماذا كانت تتقبل نزواته الفنية بصدر رحب وقبول غريب تعجب له الجميع، فراح يعيد تشكيل حنجرتها بما يتوافق وطموحه الفني. والأعجب أنها كانت تتسامح عن بعض تجاوزاته في العمل على رغم أن الأخير لديها «قدس الأقداس» كما عُرف عنها. أخيراً وليس آخراً لماذا قبلت أن تؤدي دور «مرسال الغرام» بينه وبين وردته في نوبة خصام اعترضت طريقهما وهو ما كشف عنه محمد رشدي في الحوار الذي نشر في «الكواكب» في ذكرى رحيل بليغ الأولى قائلاً: «سافرت السيدة أم كلثوم الى الجزائر لإقامة بعض الحفلات هناك، وأيامها كانت وردة - زوجة بليغ
آنذاك موجودة هناك بعد خلاف حدث بينهما، فطلب بليغ من الست أن تغني في وصلتها الأولى أغنيته «بعيد عنك حياتي عذاب» وألح في طلبه، لم تفهم ولكنها قبلت في النهاية قبل أن تكتشف أنها أدت دور ساعي البريد بين بليغ العاشق لوردته، لم تعاتبه حتى بعد علمها بالأمر».

أما بليغ فكان يرى فيها أمه الروحية لذا كان يحرص على أن تتألق عملاً بعد الآخر، وعندما اشتد عليها المرض وكانت تسجل «حكم علينا الهوى» في أحد استوديوهات الإذاعة المصرية كان يوقف التسجيل بين الحين والآخر ليطمئن عليها ويطمئنها في الوقت نفسه على أن كل شيء يسير على ما يرام، بل إنه حرص في هذا اللحن على أن يتناسب مع إمكانات صوتها في تلك المرحلة من عمرها.

أنا وأنت ظلمنا الحب ظلمنا الحب بإيدينا
وجنينا عليه وجرحناه ما داب حوالينا
ما حدش كان عايز يكون أرحم من التاني
ولا يضحي عن التاني
وضاع الحب ضاع

ما بين عند قلب وقلب

ودلوقت لا أنا بنساه
ولا بتنساه ولا بتلقاه أنا وأنت

قد تمنحنا الذكرى فرصة لنعبر من مرحلة الى أخرى، نصل ما انقطع عبر الخاص والعام، وربما تعيدنا الى أشواق استثنائية ودموع لا تخلو أيضاً من استثناء نحتاجها كي نتمكن من الانتصار على قبح حياتنا، المؤكد أنها «لحظة نور» كما حرص بليغ على التعامل معها وهو يستعيد الشريط بداخله، بتعبير أدق لم يكن يبكي على الأطلال أو ينعي مجداً زائلاً، ولكنه كان يغزل منها ما يعيده الى ذاته وفنه في لحظة ارتباك اختلطت بها الرؤى والمفاهيم.

لم يكن يبحث عن «ذكرى» بقدر ما يستحضر «فكرة»، لا يستعيد صوراً عذبة بوصفها «الحقيقة البديلة»، الوهم الذي نسكنه بإرادتنا بغض النظر عن المسميات والتي دوماً تنتقي بعناية كي نحكم إغلاق الدائرة.

أدرك – ربما متأخراً– أن ثمة دوماً مسافة تفصل بين المشاهدة والرؤية، بين الإدراك والوعي، حتى عندما نتأهل للمعنى يظل إدراكه أصعب من قبوله، ولكن يبقى القبول به أكثر حكمة من الوقوف على عتبات الانبهار أو السقوط بشرك الأوهام.

تذكر بليغ كيف حررت نغماته «الثورية»، على حدّ توصيف البعض، قوالب موسيقية ظلت جامدة لسنوات، كيف كان «التحدي» هو الجسر الذي عبر عليه كي يصل الى القمة وتملأ ألحانه الدنيا.

ولم يعرف: هل طردته الحياة من حساباتها؟ أم ما زال بإمكانه الانتصار على واقع زيف كثيراً من إرادته؟.

بقلم هبة الله يوسف
avatar
loveman
مشرف
مشرف
رقم العضوية : 19
عدد الرسائل : 171
القوس ذكر الكلب
تاريخ التسجيل : 02/02/2008

 بليغ حمدي الطير المسافر... Empty رد: بليغ حمدي الطير المسافر...

الأربعاء 06 أكتوبر 2010, 22:41
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
العمدة
العمدة
مؤسس المنتدى
مؤسس المنتدى
رقم العضوية : 8
عدد الرسائل : 1234
الثور ذكر الثعبان
تاريخ التسجيل : 22/01/2008

 بليغ حمدي الطير المسافر... Empty رد: بليغ حمدي الطير المسافر...

الأربعاء 06 أكتوبر 2010, 22:44
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
avatar
monmon
مصطباوى جديد
مصطباوى جديد
رقم العضوية : 47
عدد الرسائل : 16
العقرب انثى الثعبان
تاريخ التسجيل : 24/02/2008

 بليغ حمدي الطير المسافر... Empty رد: بليغ حمدي الطير المسافر...

الجمعة 08 أكتوبر 2010, 18:49
مموضوع متميز

شكرا لك
عاشقة شادية
عاشقة شادية
مشرفة
مشرفة
رقم العضوية : 55
عدد الرسائل : 821
الدلو انثى الثور
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

 بليغ حمدي الطير المسافر... Empty رد: بليغ حمدي الطير المسافر...

الجمعة 08 أكتوبر 2010, 23:41
شكرا لمروركم الجميل الذي عطر صفحتي
سارق القلوب
سارق القلوب
مصطباوى جديد
مصطباوى جديد
رقم العضوية : 417
عدد الرسائل : 7
العقرب ذكر الثعبان
تاريخ التسجيل : 30/01/2010

 بليغ حمدي الطير المسافر... Empty رد: بليغ حمدي الطير المسافر...

السبت 09 أكتوبر 2010, 00:21
شكرا عاشقة شادية على مجهودك ارائع واختيارك للمواضيع

موضوع رائع
عاشقة شادية
عاشقة شادية
مشرفة
مشرفة
رقم العضوية : 55
عدد الرسائل : 821
الدلو انثى الثور
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

 بليغ حمدي الطير المسافر... Empty رد: بليغ حمدي الطير المسافر...

السبت 09 أكتوبر 2010, 21:42
اسعدني مرورك يا سارق القلوب
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى